لا تبكِ على من مات ابكِ على من فقد عقله .. من المسؤول عن ترك المرضى العقليين يهيمون في الشوارع؟

> «الأيام» ميادة عبدالرقيب سلام:

>
وهيب حسن أحمد
وهيب حسن أحمد
العقل كما يقال في الأمثال زينة إلا أن الله سبحانه وتعالى منع هذا الجمال الرباني عن أناس، قد تكون واجهتهم ظروف الحياة التي لم يستطع معها عقلهم الباطن تقبلها,ويظل السؤال.. هل من حق هؤلاء أن يعيشوا حياتهم كغيرهم من البشر.. وأن يوفر لهم المأوى والملبس والمأكل؟ فالمريض العقلي أو النفسي هو إنسان يعاني فقدانه لنعمة وهبها الله لبني البشر، لكن هل من العدل أن يظل هذا الإنسان مهملاً من قبل أسرته والمجتمع؟.. وما دور الجهات المسؤولة ذات الاختصاص والمعنية؟.. ولهذا كانت لنا هذه الوقفة حول هذه المشكلة.

< المواطن أحمد عمر (19 سنة) عامل في محل تجاري يقول: «في أحد الأيام كنت مع أصدقائي في شارع (الطويل) بكريتر ورأيت أحد المرضى العقليين واستغربت أنه كان ينظر لي بشكل مباشر، أبعدت نظري عنه وواصلت المسير، إلا أنني فوجئت به متجهاً نحوي وينظر إلي مباشرة، ودون سابق إنذار تلقيت صفعة على وجهي منه فلم أتمالك أعصابي فصفعته أيضاً، ووقعت عيني على لوح خشبي أخذته وضربته به، إلا أنني ندمت بعدها لأني ضربت مريضاً عقلياً، لكن لم أعد أفرق بين المريض العقلي ومن يتصنع المرض، وخاصة أن بعضهم نجدهم في سوق القات يشترون القات، بينما نجد البعض الآخر يخزن في الطرقات».

< المواطنة مريم سعيد أحمد (43 عاماً) قالت: «حين أسير في الشارع وأرى مريضاً عقلياً ينتابني خوف شديد ولا أقترب منه وأحول اتجاهي إلى الجهة الأخرى، وخوفي هذا ناتج عن تعرض إحدى قريباتي للضرب من قبل أحد المرضى العقليين في الشارع، كما أنني في إحدى المرات وأثناء هروبي من المريض كادت أن تدهسني سيارة، ولذلك أرجو من المسؤولين في المحافظة إيجاد حل لهذه المشكلة التي باتت تؤرق الجميع».

< المواطن سعيد عبد الودود (50 عاماً) قال: «كنت في أحد المقاهي في مدينة عدن، ودخل أحد الأشخاص وكان أشعث أغبر، حافي القدمين، ولم انتبه أنه مختل عقلياً، لحظات ولم أشعر إلا وأنا على الأرض وكل من في المطعم يحاول إبعاد الأشعث الأغبر وإزاحته عني، وبعد استغراب سألت ما به وعرفت أن مرتادي المقهى يعرفون بمرضه.. فيجب أن يوضع هؤلاء في المصح وأن لا يتجولوا في الشوارع».

د. خالد السلامي
د. خالد السلامي
< ريهام علي (23 عاماً) طالبة جامعية قالت: «إن المختلين عقلياً الذين يتجولون في الشوارع يعرضون أنفسهم والآخرين للخطر، وذلك من خلال تعرضهم للآخرين بالضرب أو التخويف عن غير قصد في الذهاب إليهم والوقوف بجانبهم. وعلى الجهات المختصة أن تقوم بإجراءات حاسمة في نقلهم لمستشفى الأمراض العقلية».

< المواطنة إسمهان إبراهيم قالت: «في أحد الأيام كنت قد نزلت من الباص ولم التفت أمامي إلا وأنا في الجهة الأخرى حينها رأيت أحد المرضى الذي دفعني ولم استطع حتى أن أتفوه بكلمة من شدة خوفي.. فلماذا يبقى هؤلاء في الشوارع؟ لماذا لا يوضعون في المصح حتى لا يعرضوا أنفسهم والآخرين للخطر؟»

وبعد تلك اللقاءات اتجهت الى مستشفى الأمراض العقلية للقاء مدير المستشفى ولأبحث عن المسؤول عن هؤلاء، وبعد السماح لي بالتجوال في قسم النساء وجدت هناك عالماً غريباً، عالماً أشبه بما نراه في قصص الأفلام.. نساء يتحدثن معي بعقلية تزن الأمور بشكل واضح حتى كدت أشك في نفسي من المصاب بالمرض العقلي أنا أم هن، ونساء يستجدين أن أتصل بذويهن لإخراجهن من المصح ومنهن من رفضن الخروج معللات أن المستشفى أرحم من منازل أهلهن.

وأمسكت بي إحداهن وهي صومالية الأصل ترجوني أن أبلغ المفوضية بأنها لا تعاني شيئا وأنها تريد الخروج من المصح.

وقبل خروجي وقفت أتأمل في وجوههن ومنهن من كانت تعاني من مرض عقلي وكان واضحاً عليها، بينما لم ألحظ على بعضهن أي أثر للمرض، وتعجبت لحال الدنيا أن هناك من لديهن عقلية متزنة وقد أدخلن إلى المصح بقرار من ذويهن وذلك جراء إصابتهن ببعض الاضطرابات، بينما من يعاني خللا عقليا يتجول في الشوارع، فلم أتمالك نفسي وذرفت الدمع على هذا الوضع الغريب.

بعدها اتجهت إلى قسم الرجال، إلا أنني لم أستطع الدخول واتجهت مباشرة إلى مكتب الأخ وهيب حسن أحمد، اختصاصي نفسي وإكلينيكي، مدير دائرة الرقابة النفسية رئيس اللجنة النقابية بالمستشفى وسألته عن بعض الحالات المتواجدة في قسم النساء واللاتي يتمتعن بعقلية متزنة .. فقال: «أولاً المرض النفسي مرض يصيب القدرات العقلية والمعرفية للإنسان، فأنت رأيت نساء متزنات لأن المريض يمر بفترات هدوء وقد يلاحظ عليه أنه متزن وبين لحظة وأخرى يتغير الوضع وقد يصاب المريض بحالة هستيرية من الممكن خلالها أن يؤذي كل من حوله».

وحول آلية استقبال المرضى في المصح قال: «يحضر المرضى العقليون إلى المستشفى إما عن طريق الأهل أو عن طريق الشرطة، ونقوم بمتابعة ودراسة الحالة ثم دارسة الأعراض المرضية وننظر إلى علاقات المريض مع الأقارب في المنزل والعمل وكذلك نقوم بتقييم قدراته العقلية.

بالنسبة للمستشفى فإن السعة السريرية محدودة والميزانية أيضاً، والأدوية غالية جداً قد تصل قيمة الدواء للمريض الواحد خلال الشهر من 6 - 7 آلاف ريال، كما أن المستشفى لا يتسلم من أهل المريض أي مبلغ بل بالعكس فإن المريض يتلقى العلاج والدواء والأكل والشرب والملابس مجاناً.

ولدينا في المستشفى عدد من الحالات منها الاكتئاب والذهان الوجداني والصرع والفصام والهستيريا وغيرها من الحالات».

وحول كيفية متابعة المريض بعد خروجه من المستشفى قال: «تتم متابعة حالة المريض في المستشفى متابعة يومية، وعند خروجه نستدعي الأسرة ونعمل على توعيتهم بالمرض الذي يعانيه المريض وطبيعة الأدوية وكيفية إعطائها للمريض والاستمرار عليها، إلا أننا نفاجأ بأن المريض بعد خروجه من المستشفى يلجأ وعبر الأهل إلى القات وشرب السجائر مما يسبب له انتكاسة لعدم التزامه بالإرشادات والنصائح الطبية، ويهمل بعد ذلك المريض ويعود إلى الشارع أو إلى المستشفى من جديد.

كما نعلم جميعاً أن هناك مشكلة كبيرة وقديمة وهي المرضى العقليون المتجولون في الشوارع، فليس هناك قانون يحمي هؤلاء المرضى».

< وبعد ذلك اتجهت إلى مكتب مدير المستشفى د. خالد السلامي، الذي استقبلني بترحاب، وفي بداية اللقاء سألته عن سبب انتشار المرضى العقليين في الشوارع؟

فأجاب قائلاً: «أولاً من صفات المريض العقلي أنه يحب التجوال والحركة ومعظم المرضى المتجولين في الشوارع بمدينة عدن هم من خارج مدينة عدن أي أنهم من المحافظات الأخرى، منهم من رفض أهلهم استلامهم وتقبل حالتهم وذلك لسبب أو لآخر فيُتركون مهملين ودون علاج وبعدها تقوم الجهات الأمنية مثل الشرطة بإحضاره إلى المستشفى ويتلقى العلاج ويبدأ بالتحسن ومن ثم يخرج من المستشفى ولعدم استكمال العلاج في الخارج تنتكس حالته وهكذا.. وهذه الحلقة هي السبب في وجود المرضى في الشوارع».

وحول سؤالي كيف بإمكانهم معالجة هذه المشكلة باعتبارهم جهة مسؤولة .. قال: «المشكلة هنا ليست مشكلة المستشفى بل مشكلة الدولة ووزارة الصحة ووزارة الداخلية والشؤون الاجتماعية، هؤلاء هم المسؤولون عن هذه المشكلة وللأسف فإن العمل التكاملي بين هذه الجهات يكاد يكون معدوماً وهذه هي المشكلة الأساسية، وإذا وجد التكامل بين هذه المؤسسات ووجد قانون الصحة العقلية وكيفية التعامل مع هؤلاء المرضى فبالتأكيد ستحل هذه المشكلة.

فالمستشفى يقوم بعلاج المرضى وبعد أن يتحسن المريض نعمل على إعادته إلى أسرته، وإن لم نجد لديه أسرة فمن المفترض أن تقوم وزارة الشئون الاجتماعية بإعادة تأهيل المريض العقلي وتقوم بعمل برنامج العلاج للعمل والذي من خلاله يتم تحديد مقرراته العلمية بعد خروجه من المستشفى».

وحول سؤالي عن ظاهرة المرضى المتجولين في الشوارع ومن المسؤول عنها قال: «إن معظم الحالات المتواجدة في الشوارع هي قضية المجتمع بشكل عام ابتداءً من الأسرة ومروراً بالشئون الاجتماعية والصحة ووزارة الداخلية، وزارة الصحة تعتبر هي المتهم الأول بالرغم من أنها الوحيدة التي تتحمل ثلث المسؤولية فقط، والمطلوب هو التكامل في الخدمة هذا من جهة، ومن جهة أخرى غياب القانون الذي يكفل حق المريض العقلي وخاصة من توجد لديهم ممتلكات فإذا أعطي لنا حق الوصاية على المريض وعلى ممتلكاته وأُنشئ صندوق خاص لرعايتهم لاستطعنا الاستغناء عن الدعم الخارجي، لكن الحاصل الآن هو غياب القانون الذي يحمي المريض وكذلك غياب قانون الصحة العقلية والذي يعتبر مشكلة كبيرة نعانيها ومن المهم معالجتها حيث بذلنا جهداً كبيراً بهذا الصدد، وهي مرتبطة بجهات قانونية عليا ونحن حدودنا في الجانب العلمي».

أما سؤالي عن المسؤول عن إعادة المريض المتجول في الشارع إلى المستشفى.. فأجاب عنه قائلاً:

«أولاً: النيابة والقضاء هما المسؤولان وليس المستشفى، فالمستشفى تكمن مسؤوليته في العلاج ولكن الجهات الأمنية ملزمة بتوفير الأمن في الشوارع وإحضار المرضى العقليين إلى المستشفى، بالإضافة إلى إحضار بيانات ومعلومات عن المرضى أثناء إحضارهم».

وبخصوص كيفية استقبال المريض وما هي الإجراءات المتبعة في دخوله للمستشفى .. أجاب: «أولاً عبر العيادة الخارجية، حيث تتم معاينته وفتح ملف له ويقوم الباحث النفسي بتشخيص حالته المرضية ومن ثم يقدم له العلاج كاملاً وبالمجان، وهذا المستشفى هو الوحيد بالمحافظة الذي يقدم خدمات مجانية للمرضى ابتداءً من الفحص ثم العلاج أو الأشعة وغير ذلك».

وحول سؤالي إذا ما كان الطاقم العامل في المستشفى كافياً .. أجاب قائلاً: «عدد الكادر عندنا مقارنة بعدد المرضى يعتبر قليلا، وزيادة عدد الأطباء سيعمل على مساعدتنا في العمل على نظام النوبات، حيث أننا نعمل الآن بنظام الطوارئ فقط، وهذا النظام هو استدعاء الطبيب المعالج إذا حدثت حالة طارئة وفي غير أوقات العمل».

وحول المشاكل التي يواجهها المستشفى أجاب: «بعض المرضى يبقون في المستشفى لسنوات طويلة ونقوم نحن بعمل برنامج لإعادتهم إلى أهلهم. فقبل أسبوع أعدنا 6 من المرضى إلى دمت وذلك بعد تلقيهم العلاج في المستشفى، وقد قام أهاليهم باستقبالهم إلا أن أحد المرضى عاد لعدم وجود من يستقبله، فنحن نعمل على إيصال المريض بسيارة الإسعاف الخاصة بالمستشفى إلى منزله، كما أن المستشفى يتحمل علاج المرضى.

وأشير هنا الى أننا فقدنا ما يقارب 6 ملايين ريال قيمة الأدوية وكانت توزع كدعم لنا من صندوق الدواء، وتعتبر هذه هي المشكلة الأساسية التي يواجهها المستشفى وأصبحنا نعتمد على الميزانية الشحيحة للأدوية والمتمثلة بـ (40) ألف ريال فقط مقدمة من الصندوق الاجتماعي للتنمية، حيث إن المريض العقلي عندما يتوقف عن أخذ الدواء ينتكس مجدداً».

وحول المشاريع المستقبلية للمستشفى قال د. السلامي: «لدينا برنامج لفتح قسم للمتخلفين عقلياً لنصف يوم كبداية، ويعتبر هذا جهد ذاتي من قبل المستشفى حيث أنه لا يوجد مركز خاص لعلاج المرضى الأطفال، وسيتم تأهيل الأطفال وإعادة تقييمهم وتدريبهم إلى أن يتم فتح مركز متكامل يعمل بشكل دوري. ونشكر الصندوق الاجتماعي للتنمية الذي يعتبر هو الجهة الوحيدة التي تدعم المستشفى». وأضاف: «نقوم الآن بترميم المستشفى وإعادة تأهيله بحوالي (36) مليون ريال، وهناك تجهيزات جديدة وسيارة إسعاف جديدة، كل ذلك مقدم من الصندوق».

وفي محاولة منه لإيجاد حل لمشكلة المرضى العقليين المنتشرين في الشوارع قال: «نحن نقدم مقترحا بأنه إذا تعاونت معنا وزارة الداخلية وقامت بجمع المرضى المتجولين في الشوارع على أن يتم وضعهم في باحة سجن المنصورة ويطلق عليها مركز إعادة تأهيل المرضى.

فنحن على أتم الاستعداد لتقديم العلاج والإشراف عليهم بالمجان، فلا بد أن تكون مدينة عدن خالية من المرضى العقليين المتجولين، فعدن هي العاصمة الاقتصادية والتجارية وواجهة البلد حيث يرتادها السواح من مختلف بلاد العالم ومن أهم واجبات المواطن اليمني أن يساعد عـلى إظهار المدينة بالشكل الجمالي اللائق.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى