الاستثمار.. عنوان في مصلحة الوطن

> عامر علي سلام:

>
عامر علي سلام
عامر علي سلام
كثر الحديث أخيراً عن أهمية الاستثمار.. وضرورة جذب الاستثمارات واتخاذ الإجراءات الكفيلة بإزالة العوائق التي تواجهها، مع ذلك يفرض السؤال نفسه دوماً، لماذا لم تتمكن اليمن من جذب رؤوس الأموال للاستثمار فيها؟ وربما يتداخل هذا السؤال مع سؤال آخر وقضية أخرى في آن واحد.. وهو لماذا يخرج الرأسمال الوطني (أو المحلي أو من له جذور يمنية) ليستثمر في الخارج؟ لذا علينا أن نعترف أولاً أن رؤوس الأموال الأجنبية تجد صعوبة في الاستثمار في بلد يخرج منه رأسماله الوطني، فيخلق حالة من القلق والشكوك في الوضع الاقتصادي لبلد يفر منه رأسماله الوطني أو رؤوس الأموال القادمة من الغربة (المغترب)، لذلك نقول لأولئك الذين يتوهمون قولاً.. (وهم عن الفعل معرضون) أنهم بوضعهم التسهيلات والقوانين المشجعة على الاستثمار في اليمن كمن يغطي وجه الشمس بمنخل.. ويتناسون أن هناك في أرض الواقع الاستثماري، معوقات.. ظاهرة وباطنة، لا تمت لقانون الاستثمار في اليمن بأي صلة (سوى حق الشراكة.. وحق الحفاظة وتوفير الحماية والأمن) ..إلخ من المسميات العجيبة التي يواجهها المستثمر في اليمن (أو من لديه الرغبة في الاستثمار في مجال ما)، فيجد خيراً له أن ينقذ ماله ويهرب.. قبل أن يسلخ في مجزرة الوهم الاستثماري (طريق التنمية والرفاهية).

لذلك فإن مواجهة هذه الحقيقة ومعالجتها قضية تأتي في أولويات الإصلاح والتغيير المطلوبة للحفاظ على ما تبقى من رأسمال وطني داخل البلد وما يتبعه من جذب لرؤوس الأموال الأجنبية، لأنه بالفعل عنوان في مصلحة الوطن.

وهذا الجانب ربما يتحقق باتباع سياسة وطنية جديدة لا تخص الحكومة فقط، بل تشترك مع رأس المال الوطني والأجنبي لتحديد المخاوف ومعالجتها بحزم حقيقي، لأن خلق الشراكة الحقيقية بين الحكومة (كدولة تملك الضمانات الحقيقية وتحمي الاستثمار دون جباية أو ابتزاز معلن أو مستتر) وبين رأس المال الوطني والأجنبي إن وجد، لأنه أولاً وأخيراً لن يأتي الاستثمار إلينا هرولة إلا إذا وجدت الضمانات التي تحمي الاستثمار وتحقق له الربح، ولكن تحقيق ذلك يجب أن يرتبط بمردود للدولة وخلق فرص عمل للمواطنين ونمو اقتصادي ينتشر في مناحي النشاط الاقتصادي في اليمن كافة.. وحتى لا يكون استثماراً مزيفاً في وضعه وحقيقته ونتائجه كما هو الحال في البسط والحجز الاستعراضي وليس الاستثماري لكثير من عقارات الدولة وأراضيها.. ولكثير من مرافق القطاع العام وخصخصته بصورة مخلة بكل ثوابت الخصخصة ومنفعتها الوطنية، خصوصاً في المحافظات الجنوبية والشرقية من الجمهورية اليمنية.

ومع ذلك نقول إن تبادل الاتهامات بين الحكومة وأصحاب رؤوس الأموال الوطنية لا يفيد الاستثمار في شيء وما يفيد هو أن نصل إلى قناعة تامة وحقيقية لدى الجانبين بأهمية شراكتهما في وضع استراتيجية اقتصادية تجذب الاستثمار وتعمل على إزالة كل المعوقات التي غدت اليوم مؤثرة بشكل لافت بل أفقدت اليمن كثيراً من مزاياها التي يمكنها أن تجذب المستثمرين وتفيد الجانبين.

كما أن هناك أموراً أخرى اتضحت للعيان اليوم أكثر من أي وقت مضى من خلال تجارب كثيرة للمستثمرين حتى غدت عقبة أمامهم، منها على سبيل الحصر ما يتمثل في عدم توفر الأيدي العاملة الرخيصة والمؤهلة التي يحتاج إليها المستثمرون في بداية مشاوير استثماراتهم وفي مختلف الأنشطة الصناعية والتجارية المختلفة، إلى جانب حاجة المستثمر إلى توفر البنى التحتية من كهرباء وطرقات ومياه ..على أن تدخل هذه البنى التحتية بصفة تجارية أو غير تجارية (أي عداد تجاري ونهب سافر في التكلفة وتقديراتها).. وهي من العناصر الرئيسة للعمل والإنتاج والاستثمار الأمثل.. الطبيعي والناجح.. ويتبع ذلك قوانين للاستثمار حقيقية تزيل العوائق أمام المستثمرين وبالذات ما يخص المعاملات الحكومية للحصول على التراخيص أو الأراضي المخصصة للاستثمار (بعيداً عن الابتزاز)، ومن ثم حمايتهم من الابتزاز والعراقيل التي يضعها الأفراد المختصون في تحرير هذه المعاملات أو تقييدها لسبب أو لآخر وبعذر واضح أو ادعاء ما (كنوع من التبلي)!! والمماطلة والتأخير لغرض الجباية والابتزاز، مما يعني أننا بحاجة ماسة لوجود قضاء متخصص حر (تجاري يختص بالاستثمار بالذات) لا يمكن إفساده بالمال أو إرهابه بالقوة أو السلطة وسوء استخدامها.. وتنفيذ آليات سريعة تحمي المستثمر من المماطلة والخسارة التي تنعكس سلباً على المناخ الاستثماري العام في البلد وتؤدي إلى هروب المستثمرين أو عزوفهم عن الاستثمار في مجالات أكثر حيوية ونشاطا.

إذن فقد آن الأوان لوضع المعالجات الصحيحة التي تكفل لنا حق الترويج للاستثمار في اليمن والتي يرتهن بها الاستثمار وجذبه إلينا، نعم نحن بحاجة إلى تحقيق ذلك.. حاجتنا إلى إرادة سياسية وإدارة قوية ونزيهة وصلاحيات تُمنح للمعنيين في الأجهزة المكلفة بجذب المستثمرين، وآليات تقييم ومتابعة ومحاسبة.. نعم تقييم حقيقي ومتابعة جادة ومحاسبة حاسمة.

ندرك تماماً أنه حتى برامج المعونات التنموية التي تقدم للبلدان الفقيرة ومنها اليمن أصبحت اليوم أمام حقيقة واضحة وهي أنها مرهونة بتحقيق نجاحات وتقدم في العديد من المناحي وأحدها هو النجاح في جذب الاستثمارات وتسهيل إجراءاته والسرعة التي يمنح فيها المستثمرون حق الاستثمار ورخص الاستثمار ومدى التحرر من القيود الاقتصادية المفتعلة بصورة عامة والاستثمارية على وجه الخصوص.

فهل هناك نية صادقة لكي نحول اليمن من بيئة طاردة للاستثمار إلى بيئة جاذبة له؟ وهل يمكن خلق شراكة حقيقية واضحة بين الحكومة (كدولة مؤسسية للاستثمار وتحميه) ورؤوس الأموال الوطنية والأجنبية.

وهل نقدر أن نخلق حراكاً حقيقياً ونمد جسور الثقة ونخلق المناخات الملائمة التي تخدم مصلحة الوطن؟ أم أن مصلحة الوطن كلمة قد تناساها الكثيرون وأصبحت مغيبة من القاموس السياسي الوطني والاقتصادي في اليمن.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى