أيــام الأيــام..الثورة البيضاء وفئران العصر!

> د. عبده يحيى الدباني:

>
د. عبده يحيى الدباني
د. عبده يحيى الدباني
هكذا من دون مقدمات سنهجم على الموضوع هجوماً، مثلما سنهجم على هذه الفئران المنتفخة، فئران العصر في اليمن التي ابتليت بها أكثر من أي عهد في تاريخها الموشح بفئران الفساد، منذ انهيار سد مأرب العظيم بسبب ذلك الفأر المنحوس كما تقول الأسطورة. كان فأراً واحداً غيّر حياة الشعب من النعيم إلى الجحيم فتفرقت أيدي سبأ وصار أهلها أحاديث، أما اليوم فما أكثر الفئران التي تنخر في حاضر الأمة ومستقبلها من غير أن تمل أو تكل أو تشبع أو ترتدع، بل تجدها تطلب المزيد كنار جهنم وتستعجل الكارثة، وانهيار السد اليمني المعاصر. ترى لماذا هذا التمادي والإيغال في الفساد والإفساد. هل صار الفساد بالنسبة لهؤلاء قضية وطنية واجبة؟ لقد وجدنا من يبرر للفساد ويسوغ له، لا بل من يحلله ويفلسفه، حتى صار الفاسدون هم الشاطرون وهم الأذكياء الذين استطاعوا أن يرتبوا أوضاعهم ويحلوا مشاكلهم ويعرفوا واقعهم حتى صار يشار إليهم بالبنان تبجيلاً لا ازدراءً.

كلا إن الفساد هو الفساد والباطل هو الباطل مهما سوغ المسوغون وزيف المزيفون ونعق المستفيدون وتشوهت المفاهيم حيناً، قال تعالى:{وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون} (سورة البقرة)، فهل يا ترى يتمادى أرباب الفساد في سلوكهم الشيطاني انطلاقاً من المثل القائل: (جوع كلبك يتبعك)؟ فالغريب في الأمر أن هذا المثل نفسه موجود في شمال الجزيرة العربية - حسب رواية د. جعفر الظفاري في مجلة اليمن- بصيغة أخرى وهي (جوع كلبك يأكلك). فلاحظ معي هذا الاختلاف الجذري في الدلالة ما بين صيغتي المثل ما بين جنوب الجزيرة وشمالها، ومما يعزز هذا المعنى أن هناك قولاً يمنياً مأثوراً- حسب المصدر السابق- جاء فيه أنه (لا يحكم الحمير إلا من أكل أموالها) إذن هل صار الفساد فلسفة حكم ووصية ذهبية يعمل بها الفاسدون المفسدون، ووسيلة بقاء في تاريخ اليمن المعاصر فما برحوا لبل نهار بعملون على نشر الفساد إلى كل المؤسسات ويعززونه بما فيها العسكرية والقضائية ويشجعون الناس كلهم على ممارسته ويدفعونهم دفعاً إلى الدخول فيها وكأنه دينهم الجديد إلا من رحم ربي.

إنهم يريدون أن يصير الفساد في اليمن ظاهرة رسمية وشعبية عارمة، وقد حققوا الكثير مما أرادوا، فلا حول ولا قوة إلا بالله!

إن فئران العصر تزداد انتفاخاً وأرصدتهم في البنوك العربية والدولية تزداد تورماً، إنهم يعدون العدة للفرار بعد أن ينهار السد كما فعل جدهم الجبان: (عمرو بن مزيقيا) الذي باع أمواله وفر من اليمن عندما علم بقرب انهيار سد مأرب العظيم، وكان عليه أن يتصدى لأسباب الانهيار منذ البداية، وصدق المقالح الشاعر حين قال يخاطب عمروا الماضي والحاضر:

لقد كنت يا عمرو لعنة أيامنا الخالية

وما زلت لعنة حاضرنا، ثم أيامنا الآتية

أجل لقد حولوا أموالهم إلى الخارج وباعوا ضمائرهم للشيطان ومن البديهي أن يكون هؤلاء قد استخرجوا لأنفسهم جنسيات عربية وأجنبية تؤمن هروبهم ومستقبل حياتهم في أوطانهم الجديدة، فهذا يعرف من خلال سلوكهم الأناني الجبان وحرصهم على الترف تحت أي ظرف. هؤلاء هم أحفاد عمرو بن مزيقيا وهو مثلهم الأعظم.

هكذا يواصل المقالح مخاطباً عمرواً الواقع والرمز:

وتحت المناجم عن ثلوج الشمال

رسمناك وجه غراب حزين

يتمتم كل مساء تعال

هنا المال والعار هيا تعال

تعال.. تعال.. تعال

ولكنهم لن يفلتوا- كما لم يفلت عمرو - من نقمة الشعب ولعنة التاريخ الأبدية وغضب السماء، بل أين يذهبون من سياط أقلامنا تجلدهم وتلسعهم بالحق صباح مساء ومن وراء ذلك حساب الآخرة وعقابها وعذابها وهو أخزى وأقسى!

لقد فاض الكيل وبلغ السيل الزبا وفد أعذر من أنذر، وكأني بلسان حال الشعب قد أضحى يقول:

حسبي بأني غاضب

والنار أولها غضب

نسأل الله تعالى ألا يكون هذا الغضب حرباً ودماءً ودماراً، بل يكون ثورة بيضاء كما قال: (البيض..) ثورة المجتمع المدني بألوانها وفنونها وأساليبها السلمية والحضارية.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى