«الأيام» ذهبت إلى هناك .. شاطئ بئر علي والأحلام المدفونة ما بين البر والبحر

> «الأيام» علي سالم اليزيدي:

>
ساحل المجدحة وساحل أنبح أماكن تهريب متوقع دائما
ساحل المجدحة وساحل أنبح أماكن تهريب متوقع دائما
ما تزال عمليات التسلل إلى شواطئ الجمهورية اليمنية مستمرة، وخصوصاً مناطق بلحاف، بئرعلي، رضوم، ساحل أنبح، وميفعة، ويقال إن متسللين اتجهوا صوب الساحل الشرقي لحضرموت ايضاً .. لم ينقطع، يتوقف، يتربص، يتحين الفرصة، ثم تتدفق الجثث على الساحل لرجال ونساء وأطفال في عمر الزهور يلقي بهم ذووهم بالدرجة الأولى إلى حتفهم.. عشرات الغرقى قبالة هذه المناطق وأصبحت بئرعلي والمجدحة مقبرة مشهورة، إذ تنتشر المقابر المجهولة لأناس مجهولين.. أحلام تدفن في رمال الشاطئ وأحلام أخرى تهوي الى قاع البحر، ثم يقذفها.

قبل أيام ذهبنا إلى هناك، وجدنا جثة امرأة عبارة عن هيكل عظمي في جرف.. مقابر وحكايات مأساوية لهؤلاء المتسللين انتظرنا وصولهم ساعات ، لم نفلح، وصلنا المكلا قالوا نزلوا أحياء وأمواتا ولكننا التقطنا صوراً تتكلم ونقلنا قصصا تدمي القلب والعين.. وهذه الحكاية.

أحلام مدفونة في الرمال والبحر
من الساحل الصومالي تتحرك القوارب والسنابيق، هناك تنتشر الاقاويل، الفرصة متاحة للتهريب إلى بحر العرب، إلى السعودية ثم ابوظبي حيث المال والنعمة، وتجار التهريب من دون ضمير يكدسون البشر في صناديق ويتجاوزون بهم الأعماق في رحلة تبدأ بمراودة الأحلام في الصومال وارتيريا وكينيا واثيوبيا، حيث المجاعة والحروب، والبعض يأتي بحثاً عن فرص وعالم جديد، قال أحدهم وهو تاجر مواشٍ بالمكلا هؤلاء يلقون بأنفسهم في التهلكة، لماذا يأخذون أطفالهم معهم، ثم يشاهدون هؤلاء الاطفال يموتون إما رمياً في البحر من قبل القراصنة المهربين أو بالغرق؟. وفي إحدى الرحلات شاهدنا امرأة صومالية ميتة وبجانبها ابنتها ذات التسع سنوات.

أما إحداهن فقد قالت: لقد رمى المهربون بابنتي في عرض البحر لأنها بكت خوفاً وهلعاً، وكانوا يشربون الخمر ويتعاطون المخدرات طوال الرحلة، ثم رموا بعدئذ برجلين من أثيوبيا لأنهما عارضاهم وقد عثر على جثة أحدهما بعدئذ وفي جيبه بطاقاته وتحويلة لنقود إلى صنعاء .. سبق الموت قبل الوصول إلى البر.

ما الذي يحدث في عرض البحر وفي البر
منذ أن يتم الاتفاق في الصومال خفية وتدفع الفلوس (نحو 40 أو 50 دولارا) عن كل واحد، يحدد المهرب الوقت، ولديه معلومات عن السواحل في بئرعلي والمجدحة في ساحل انبح وزمن الوصول، ويعمد الى الاحتيال على المتسللين وإيهامهم بأنهم سيهبطون في بر أبوظبي أو السعودية أو عدن أو حضرموت ثم كما يقولون «أنتم وشطارتكم»، وقال لي صديق من أصل صومالي مقيم في المكلا: المأساة أن هؤلاء يأخذون أطفالهم معهم ونساءهم وكل هذا يذهب مع الريح، فبدلاً من البحث عن عمل هناك وتدبير حاله مثل الباقين، يندفع نحو البحر ويخطفه المهربون، ثم إلى اللا شيء ينتهي كل شيء. ونقل لي صياد مقيم في بئرعلي وهو شاهد عيان على دفن عشرات الجثت أو صعودها من جوف البحر ميتة: لقد أصبحت المنطقة عبارة عن قبر كبير، فالمهربون يعرفون أوقات الفتوح وأماكن النزول، وفي ظل الرقابة لخفر السواحل أحياناً او عندما يشكّون بوجودهم يرمون بالمتسللين في عرض البحر عند عمق عشرين وثلاثين قامة، وهنا تحدث الكارثة ويتم الإنزال بالقوة والضرب والطعن وتتحول هذه الأجساد الحية إلى جثث، ولكم نتأثر نحن من مشاهدة الأطفال الموتى والنساء والشابات، نقوم بالدفن كثيراً وفي الفترة الأخيرة تولت ذلك الجهات الرسمية (الأمن بشبوة والأمم المتحدة لشئون اللاجئين)، وهناك مقابر متناثرة قديمة، وهناك مقابر جماعية لاربعين وثلاثين شخصا في أكثر من مكان، لتفادي الأوبئة ونهش الكلاب التي تأكل من لحوم بعض الموتى الأفارقة الذين لا يقذف بهم البحر في أماكن بها ناس .. وهذا هو الحل!!

دوريات في البر والبحر
السلطات الأمنية لا تألو جهداً في تطويق المنطقة ومراقبة السواحل وخصوصاً في الآونة الاخيرة، إذ تكثفت الدوريات البحرية ليلاً، ووزعت عدد من النقاط على الساحل. ويؤكد مسؤولون أمنيون وخفر السواحل أنهم بالكاد يغطون المنطقة، نظراً لطول الساحل الممتد من رضوم إلى حضرموت ومن ثم المهرة، وهناك قلق كبير من انتشار هذه الظاهرة حتى في فصل الصيف واشتداد الأمواج، ويزداد مكر المهربين إذ أن لهم اتصالات بالساحل اليمني، فعند اشتداد الدوريات أو انتشار خبر الغرقى في الإعلام، ينكمشون فترة ثم يعودون.. والسؤال إلى متى؟ ألا يدرك أولئك المغرر بهم في بر الصومال أن الموت هو النهاية وأن رمال الشواطئ تأكل الأحلام.

المخاوف المتزايدة إلى أين؟
قال لي مسؤولون حكوميون بالمكلا: بئرعلي والمجدحة هي نقطة بداية، وغداً عمان وأبوظبي والخليج، ستتطور عمليات التهريب وأفكارها .. البشر والمخدرات والسلاح والإرهاب، ولذا واجب إخوتنا في الخليج التعاون معنا وفتح مجال المعونات في حماية الشواطئ والمياه المشتركة. والشيء نفسه يقوله المسؤولون في محافظة شبوة، وحديثهم عن الإمكانيات وطول الساحل، والأمم المتحدة تقول: نحن نأوي وندفن، ولكن من يوقف التدفق وإلى أين ستؤول الاوضاع؟ وما بين بئر علي وحضرموت وعمان وأبوظبي خطوة والبحر ممتد وواسع، والمناشدة للـتعـاون الـدولي والاقليمي أمر لا بد منه.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى