عمر غيثان ومأساة الفنان

> «الأيام» صالح حسين الفردي:

> انزوى في بيته المتواضع، يعاني من الإهمال والجحود كغيره من المبدعين الكبار، في زمن فقد القائمون عليه الذاكرة، وهي الحائط الأخير لمن يحاول أن يبقى عالقاً بإنسان الأرض، لم يعد أحد يسأل عنه، أو يتذكره، وهو من شكل ملمحاً خاصاً في لوحة حياتنا الفنية في زمن العطاء والبذل والإبداع، لم يكن صورة لأحد، وإنما كان نسيجاً نغمياً رقيقاً آخر في ستينيات القرن الفارط، ومن الغريب أن يتذكره عشاق الفن الأصيل في عدن ومازالت تصدح بأغانيه إذاعتها التليدة في حين تغفل عنه كل منافذ الإعلام والثقافة والفن في حضرموت التي أعطى لها سني عمره الفتية، وبقي يقاوم عاديات المتسلقين على هذه المنافذ فاقدي التاريخ والذاكرة.

هذا هو حال الفنان المخضرم القدير عمر محمد غيثان، صاحب الصوت الرقيق المتفرد، الذي أتحفنا- أطال الله عمره- بروائع غنائية (يا نود نسنس من قدا العربان خبرنا، للشاعر والملحن الراحل الكبير أحمد عبود باوزير، لو غيابك طال مكانك في الحشا والقلب باقي، يا سارح البكرة إلى احبابنا سلام بلغهم مع اشواقنا، للشاعر والملحن الراحل الكبير صالح عبدالرحمن المفلحي) وغيرهن كثير، ولكنه اليوم يتعرض لغبن وإهمال وإحساس بالمرارة، ومن صور هذا الإهمال ما ورد في رسالته المؤرخة في 3/3/2003م إلى الاستاذ عبدالقادر علي هلال، محافظ حضرموت يطلعه فيها شاكياً وضعه الاداري والمالي بالآتي: «أنا الفنان عمر بن غيثان أحد الأصوات الفنية القديمة منذ الستينيات، واكبت كثيرا من الفنانين أمثال المرشدي ومحمد سعد عبدالله وأحمد قاسم وغيرهم أثناء إقامتي في عدن وعند عودتي إلى مسقط رأسي حضرموت حولت عملي إلى النقل البري..» ويستمر المبدع غيثان في عرض معاناته للمحافظ هلال، وكتابته إليه بضرورة ترتيب وضعه في مكتب ثقافة حضرموت، وكذلك مواجهة تكاليف إعـادة تـرميم بيته الذي تضرر من الامطار.

وقد جاءت توجيهات المحافظ هلال بضرورة مساعدته وتحرير رسالة لمكتب الثقافة بضرورة ترتيب وضعه واستيعابه، خاصة والفنان غيثان لديه رسالة من مدير عام شؤون الموظفين بوازرة الثقافة والسياحة سابقاً مؤرخة 17/2/1997م، موجهة إلى مدير عام مكتب الثقافة بحضرموت بناء على المذكرة التي رفعت منه قبل ذلك بهذا الخصوص، وطالبت رسالة مدير شئون الموظفين (بجاش عبدالولي) باستكمال الاجراءات اللازمة ومخاطبة فرعي الخدمة المدنية والمالية بالمحافظة، ولكن ضاعت هذه الآمال في عودة الروح إلى فناننا القدير، ومازال يعاود الرحيل من مدينته غيل باوزير كل صباح عله يحظى بأي من هذه الوعود التي، للأسف، زادته وجعاً وبؤساً ومرارة على زمن لم يعد عنوانه الوفاء، فهل من المعقول أن يظل هذا المبدع لسنوات تعدت الثلاث منتظرا صرف مبلغ العشرة آلاف التي تم التوجيه بها، بعد أن توارت آماله من كل الوعود الأخرى، مطارداً دخانها الذاهب بعيدا، وهو يعاني الظروف المعيشية الصعبة، ومرض ابنه الذي يحتاج إلى صبر ومتابعة وعلاج دائم.

هذا ابتسار لحكاية فنان قدم عصارة روحه، ومازال وقادراً على العطاء الحقيقي، ولكن مثل هذه الظروف المحبطة، تجعله وغيره يتوارون وهم يعتصرهم الألم، لعدم قيام جمعيتهم الفنية التي تأسست لكي تسهم في رفع الضيم عنهم ومتابعة كل دقائق حياتهم، وهم بيننا، ولكن لا حياة لمن تنادي! ونحن نأسف أن نختم هذه المقالة بسطور ختم بها الفنان المنسي غيثان رسالته للأخ المحافظ هلال،قائلاً: «ألجأ إليك ثانية آملا منكم وأنتم الملاذ الوحيد بعد الله، وبعد أن تقطعت بي السبل وبلغت من العمر عتيا خدمت فيها الوطن مشاركاً في كل أعياده في المحافل الداخلية والخارجية، واثقاً منكم في إنصافي وتقدير ظروفي الصعبة التي أعيشها». ونحن عبر «الأيام» صحيفة كل الناس ولسانهم وصوتهم الدائم نبعث بهذه الإشارة علها تجد صدى في نفس المحافظ الإنسان عبدالقادر علي هلال.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى