مع الأيــام..جانا الهوى جانا

> سلوى صنعاني:

>
سلوى صنعاني
سلوى صنعاني
حاولت أن أعبث مع الجدة سعدة مازحة لأبدد بعضاً من شعور الضجر والهم المحيط بنا.. وسألتها «ماذا ستفعل إذا قدر الله وجانا مرض أنفلونزا الطيور القاتل مع دجاجاتها؟».

كنت أعتقد أن الجدة تعيش في عزلة عن تلك المخاطر المحيطة بالبيئة الطبيعية لكوكبنا المسكين.. ولم يدر بخلدي أن جدتي سعدة عندها علم بالمصيبة، أبعد الله شرها عنا فاجأتني وكأنني سألحق أذى بطيورها قائلة: «انتبهي تقولي لأحد على دجاجي أو يفكر أحد الاقتراب منهم خلوني أموت أني وهم، وأسأل ربي يجعل يومي ويومهم واحد».

إجابتها عن سؤالي صعقتني، إلى هذا الحد تعشق هذه العجوز دجاجاتها، تريد أن تموت معها، ولم تلتفت إليّ بل مضت في تجميعها بحرص وسرعة في القفص وأغلقته وانتصبت، لأول مرة أراها منتصبة وهي التي عطف السن والعجز عودها، ومضت قائلة: «إني مش مجنونة إذا أنتم مجانين أموت دجاجي اللي يبيضوا لي واكسب قوتي ولقمتي من بيضهم، إني شفت التلفزيون وشفتهم وهم يموتوا الدجاج».

موقف الجدة سعدة التي ترى في دجاجاتها مصدر دخل يكفل لها العيش كيف يمكن لنا إذا شاءت قدرة ربنا (وجانا الهوى جانا) وشملنا بعطفه وحنانه، كيف يمكن لنا اتخاذ الحيطة والحذر، إذا كانت نماذج كثيرة لهذه الجدة يعيش معنا.. وبهذه العقلية المتصلبة غير المدركة لمخاطر هذا المرض عابر القارات الذي هز عروش أكبر الدول وأكثرها حضارة وأوسعها إمكانية في التصدي له.

جدتي سعدة عجوز ألفت الحياة مع دجاجاتها بل ومعزاتها اللاتي تطلق عليهن أسماء مثل خدوج وشريفة ومعها أيضاً (شوشة) اسم الدلع واستغربت أنها تناديهن بأسمائهن فينطلقن إليها طاعة وولاء لا أجده ولا ألمسه لدى بعض الأبناء إزاء أمهاتهم وآبائهم، وتمضي الجدة سعدة في تقبيلهن وتمسح بيدها على أجسادهن بحب وحنان وكأنهن بناتها.

خلفتني حائرة ومضت بعد اطمئنانها على ثروتها الصغيرة.. حقيقة احتوتني الحيرة، فعلى قدر ما نشاهده على شاشات الفضائيات وما نسمعه من نصائح وتحذيرات من منظمة الصحة العالمية ومن الجهات المعنية في بلادنا، إلا أنني لا أدري لماذا أضع فرضية قدوم هذا الوباء العالمي إلينا.. وما هي التدابير التي ستتخذها الدولة لاحتوائه رغم اطمئناني للتأكيدات القاطعة بخلو بلادنا حفظها الله وصانها من هذا المرض.. فنحن والحمد لله بخير ولا ينقصنا إلا لطم الخدود إذا ما حل ضيفاً علينا فهو كريم في حنانه الموزع في ربوع الكرة الإرضية، ولا أظن أنه سينسانا لأننا بلطف اللطيف الرحيم قد شملنا داء الكبد الوبائي بأنواعه الثلاثة برعايته واهتمامه فأخذ منا أعز ما لدينا من رجال ونساء وخصوصاً الشباب، مثلما كان الإيدز (مرض نقص المناعة) قد أخذ نصيبه هو الآخر حين احتلت بلدنا مكانة لها في قائمة الدول المصابة به.. نسأل الله العفو والعافية واللطف الخفي والسلامة ولكن كيف سنواجه تلك العقلية والتفكير اللذين تنعم بهما الجدة سعدة وأمثالها بالآلاف.. ذلك السؤال مازال قائماً وخصوصاً إذا ما تهجن هذا الفيروس وتخلق لمواجهة الأسلحة الموجهة لاسئصاله والقضاء عليه..!! وهل اتخذت الجهات المختصة احتياطاتها قبل أن تغني (جانا الهوى جانا) ونمضي إلى قبورنا.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى