فلتنم روح الفراشة وليفِ الأصدقاء

> «الأيام» خالد قائد صالح:

> في الحياة وبموجب سننها، يكون الموت دائماً أصدق السنن ودليل حتميتها، فهو الضيف المؤلم الذي ننتظره بقوة إيمان، هو الضيف الذي لا نملك تجاهه إلا الصبر والدعاء لمضيفه بالرحمة والغفران وفسيح الجنان في ملكوت الخالق جل وعلا.

وفي الحياة هناك من يزوره الموت وقد عاش لآخرته كأنه يموت غدا ومن يعش لآخرته هو من ينسى نفسه ويتذكر أبناء مجتمعه، يؤثرهم عليها وينقش في سجل حياته أجمل الذكريات الموسومة بالتضحية والعطاء والتفاني والإخلاص، ينقش جمال روحه على صفحات بأجمل الكلمات والعبارات والتعابير، عبارات تلخص رقة روحه وجمال سلوكه، وصفاء تفكيره.

وفي الحياة التي عشناها عرفنا الوالد الشاعر الكبير الراحل عبده علي ياقوت، إنساناً عاش هذه الحياة بعاطفته الجياشة التي ألهبها اندفاع الشباب نحو الحياة الكريمة والحرية وقومها ورع الشيخوخة ونضج التجربة بالصبر والزهد، وبينهما تاريخ من الحوادث والأحداث شكلت هذه التجربة الحياتية الغنية بالوعي والثقافة والإنتاج الفكري شعراً، جذبه الجمال، جمال الزهرة والفراشة، وجمال الوفاء بينهما وآلمه عدم الوفاء بين البشر، عذبته ليالي الهجر الطوال والحب الذي ناثرته الرياح بسبب هذا الهجر، فأجهد نفسه متسائلاً كيف له أن يوفق في جمع هذا الحب المتناثر.

عبده ياقوت رجل عاش الحياة بأمرّ ما فيها وكأنها كانت تضن عليه بسعادتها إلا فيما ندر وتحديداً حينما يزور مسقط الرأس (تربة ذبحان) أو حينما يكون في حضرة الأصدقاء أرباب الكلمة متوسماً منهم الصدق والوفاء ليس إلا، ليكونا زاده الذي يقتات به حينما يتحدى ليالي الهجر والصبر الطويل ويطلب منها أن تستمر في تعذيبه، فما الذي ستضيفه إلى سجل العذابات الطوال رغم إمعانها في هذا التعذيب لهذه القامة التي ارتضت لنفسها عملاً متواضعاً ولكنه كان عنواناً لشرف سلوكه ولصدق قناعته، استمرت في تعذيبه حينما لم تحقق له أمنية أن يرى (فراشته) مطبوعة متداولة في أيدي القراء قبل وفاته ولكنها عجزت عن أن تعذبه حتى النهاية فقد أراح نفسه منها وتغلب عليها، بإسلام روحه إلى من هو أرأف بها وأحن عليها، فعادت إلى ربها راضية مرضية دون أن تسلمه لأيدي المرض الذي يتبعه السؤال أجارنا الله منهما.

فلتنم روح الفراشة الرقيقة بهدوء ولتف أرواح الأصدقاء لهذه الروح إن بقي في الدنيا وفاء.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى