مدير عام صحة الأسرة بوزارة الصحة العامة والسكان لـ «الأيام»:بقدر ما يعد الإنسان نفسه لمرحلة الكهولة برصيد صحي تزداد فرصه في مقاومة الأمراض

> «الأيام» وليد محمود التميمي:

> على هامش فعاليات ورشة العمل الخاصة بالصحة المدرسية التي نظمتها في مدينة المكلا مؤخراً الجمعية المساندة للتربية والصحة بالاشتراك والتنسيق مع مكتبي وزارتي التربية والتعليم والصحة والسكان بالساحل والوادي ومؤسسة العون للتنمية .. التقينا د. علي أحمد المضواحي، مدير عام صحة الأسرة بوزارة الصحة العامة والسكان الذي شارك في الورشة بورقة عمل عن (أنموذج المنهج المدرسي في المردود العملي لمراحل التعليم الأساسي) فأبدع وأجاد بتناوله وطرحه الموضوعي لقضايا تخص واقعنا الطبي بشكل عام، معتمداً في ذلك على أسلوبه العلمي الرصين وغزارة رصيده الثقافي الذي لا تقتصر مساحته أو محيطه على مجال عمله فحسب، بل تتعدى ذلك لتشمل مجالات أخرى متعددة.. أحسسنا ذلك ولمسناه جيداً في ثنايا لغة تخاطبه بالعربية الفصحى المتقنة، ودقة المعلومات وسهولة إيصالها للمستهدفين، وانسيابية الأفكار وتسلسلها.. فضيفنا اليوم عضو بارز في مؤسسة المنصور الثقافية.. كتاباته وأطروحاته تنم عن إمكانياته وتوجهاته الهادفة إلى إيضاح اللبس وانجلاء الغيوم وكشف الغموض عن قضايا بالغة الأهمية والحساسية، ولأننا نؤمن بأننا نعيش اليوم في عصر يعتمد على التخصص في مجالات العلم تحديداً، أجرينا معه الحوار التالي:

ممارسات غير صحية
< د. المضواحي متى تتضاعف خطورة المشكلات الصحية؟ وكيف يمكننا تجنبها خصوصاً في مرحلة الكهولة؟

- تتضاعف خطورة المشكلات الصحية عند غياب الوعي بحجم المشكلة وخطورة تداعياتها وفي ظل ممارسات حياتية غير صحية وأنماط سلوكية غير سليمة فإن الأمراض تتوطن، وقد تتحول إلى أوبئة تهدد الصحة العامة. وهنا يأتي دور التوعية في التعريف بالمشكلات الصحية، وسبل الوقاية منها، تمهيداً لمبادرات تعديل السلوك نحو ممارسات تعزز الصحة وتجسد حالة من المأمونية تخفض من المراضة والوفاة في المجتمع.

أما بالنسبة لسؤالك عن تجنب الأمراض خاصة في مرحلة الكهولة، فإن ذلك يرتبط بمفهوم تعزيز الصحة والذي ينطلق من بعدين هما الميزان الصحي والرصيد الصحي، استناداً إلى الهدي النبوي الشريف: «خذ من صحتك لمرضك» فبقدر ما يعد الإنسان نفسه لمرحلة الكهولة برصيد صحي، تزداد فرصه في مقاومة الأمراض المعدية أو المزمنة، في سبيل الحد من تداعيات التقدم في العمر.

حلقة انتقال المرض
< حدثنا عن معايير الصحة العامة في المجتمع؟ وما هي أبرز العوامل التي تهددها؟

- تحدث المراضة في أي مجتمع بسبب اختلال التوازن بين ثلاثة عناصر هي الإنسان والناقل والبيئة المحيطة. فالإنسان المحصن باللقاحات الكاملة ضد الأمراض على سبيل المثال قادر على مقاومة المرض الذي ينتقل إليه عبر الناقل الذي يتكاثر في البيئة غير الصحية، وعلينا إلى جانب التحصين تعزيز الصحة بحماية البيئة من مصادر التلوث، وهنا ندرك أهمية توفر الماء والغذاء النظيفين للحد من الأمراض التي تنتقل عبر الجهاز الهضمي، كما أن الأهوية مصدر لسلامة البيئة أو فسادها، مما يؤثر في انتقال الأمراض عبر الجهاز التنفسي، وهكذا فإن حلقة انتقال المرض ترتبط بالبيئة والناقل. وأكثر ما يهدد الصحة العامة اليوم عدم الاهتمام بأسباب المشكلات نحو درء المرض. وتهدد الأمراض المعدية والمزمنة الصحة العامة إما بسبب عدم المعرفة بأسبابها، أو تجاهل هذه الأسباب المعروفة مما يعيدنا إلى أهمية تطبيق أنماط سلوك صحي، فالتدخين مشكلة صحية في غاية الخطورة وهو المسؤول الأول عن كثير من الأمراض، حيث أن 90% من حالات سرطان الرئة تحدث بسبب التدخين، وهو السبب الرئيسي في أمراض القلب والأوعية الدموية، ومع ذلك لا تزال عادة التدخين سارية!

مسؤولية مشتركة
< ما هو دور المؤسسات الحكومية ومنظمات المجتمع المدني في انتشال الوضع الصحي من واقعه المتردي؟

الصحة ممارسة، وبالتالي لا يمكن أن تكون المسؤولة وزارة الصحة لوحدها، وكما أشرت في الإجابة السابقة أن عاملاً مهما في انتقال المرض يتمثل في البيئة، التي تهتم بشؤونها جهات حكومية أخرى، فالتنسيق القطاعي ودور مؤسسات المجتمع المدني هو الحالة التكاملية المطلوبة لتعزيز الصحة، وقد بين مؤتمر أوتاوا عام 1986 أهمية أرساء الصحة في صلب السياسات العامة، تحقيقاً للشراكة الفاعلة التي تساند الجهد المشترك والمسؤولية في الشأن الصحي.

أماكن تعد بيئة للمرض
< كيف يعزز الإنسان من رصيده الصحي؟ ويساهم في الاستثمار في مجال الصحة؟

- تعزيز الرصيد الصحي يتطلب الممارسة الصحية عبر مراحل العمر المختلفة، بدءاً بالتحصين والرضاعة الطبيعية الخالصة، ثم الحرص على التغذية السليمة لتلبية احتياجات الجسم الرئيسية من المكونات الدقيقة، إلى جانب الحركة والنشاط بالممارسة اليومية للرياضة، او المشي المنتظم لمدة نصف ساعة متواصلة يومياً على الأقل، مع الابتعاد التام عن العادات غير السوية مثل التدخين أو تعاطي القات، أو الممارسة الجنسية خارج إطار الزوجية، أو تعاطي القات خاصة في الظروف المعتادة من تناوله في أماكن مزدحمة ومغلقة، وهذه الأماكن هي بالتأكيد بيئة للمرض.

أما الاستثمار في الصحة فيتاتى بالإنفاق البسيط تحصيناً وتغذية ورياضة، مما يعود على المرء بالمنفعة، هذا على المستوى والفردي، أما على المستوى الوطني فأن اقتصاديات الصحة تبين أن إنفاق دولار واحد في المجال الصحي يعود على التنمية الوطنية بعشرة أضعاف، وإنفاق دولار واحد في مجال التحصين تحديداً يعود بالنفع بـ 43دولار على المجتمع.

أمراض فتاكة
ماهي أبرز (3) أمراض تهدد صحة الإنسان في العالم.. حدثنا بلغة الأرقام عن ضحاياها. وكيف بالأمكان الحد من خطورتها؟

هي الملاريا والتبغ والإيدز وفق تقديرات منظمة الصحة العالمية. وتحصد من الملاريا وتعاطي التبغ ما يزيد على خمسة ملايين إنسان سنوياً حول العالم، ويبلغ عدد المصابين بالإيدز حوالي 43مليون إنسان تقريباً.

وتبين هذه الأرقام حجم مشكلة بالغة الخطورة، غير أن القاسم المشترك للوقاية منها يتمثل في الوقاية وتعاني بلادنا من مشكلة الملاريا التي تبذل جهود كبيرة للسيطرة عليها، ويأتي في مقدمة هذه الجهود الحد من انتشارها عن طريق الحد من مصادر التوليد بردم تجمعات المياه والتي تتطلب جهداً شعبياً محلياً من المجتمع لمساندة الدور الحكومي. أما بالنسبة للتدخين فلا بد من تطبيق التشريعات التي تحظر الترويج له، وتراقب صناعته. وتكثف التوعية بمخاطرة وأضراره على الصحة العامة والاقتصاد الوطني، ولعلكم تتابعون وما يقوم به البرنامج الوطني لمكافحة الإيدز من تدريب وتثقيف من أجل الحد من انتشار الأمراض المنقولة جنسياً ومنها الإيدز.

تعزيز السلوك الصحي
ماذا يعني مصطلح المقارنة المعنية بدوره الحياة؟

تمثل هذه المقارنة أحد مفاهيم تعزيز الصحة بالتركيز على مراحل الحياة المختلفة بدءاً بالولادة، ثم المراهقة وصولاً إلى الشيخوخة في سبيل تلبية الاحتياجات اللازمة لتعزيز الصحة وفق كل فئة عمرية. فالكثير من الأمراض التي ترتبط بالفئة العمرية يمكن تفاديها بتعزيز السلوك الصحي، وهي الأمر الذي يدعونا لفهم أهمية تغليب النمط الوقائي في تدخلاتنا الصحية وتجنب المرض قبل وقوعه بإذن الله.

المعافاة الكاملة
ما علاقة مفهوم الصحة بالتنمية والاقتصاد؟

الصحة تعريفاً من المعافاة الكاملة بدنيا ونفسياً واجتماعياً وروحياً، وبالتالي هي محور أي شأن تنموي، وفي غياب الصحة لا يستطيع مجتمع أن ينهض بأماله نحو التقدم والنماء لأن التدخل الصحي في جميع مناحي الحياة أمر حيوي لاستمرارها وكلما أزداد الإتفاق على الصحة أزداد معه التحسن الاقتصادي، لأن تحسن الصحة الفردية والمجتمعية يعني القدرة على الإنتاج وبالتالي تحقيق التنمية.

برنامج تنموي
ما هي الأمراض الثمانية التي يتحصن منها الإنسان؟ وهل صحيح أنه تصرف عليها مبالغ تتعدى ما يصرف بأضعاف على المشاريع التنموية؟ وبرأيك ما هي الحلول الناجعة للحد من هذا الإهدار؟

أمراض الطفولة الثمانية القاتلة التي يتم التحصين ضدها هي: السل، شلل الأطفال، الخناق، السعال الديكي، الكزاز، التهاب الكبد، المستدمية النزلية للوقاية من التهاب السحايا، الحصبة، أما أن ما يصرف على التحصين ضدها يتعدى ما يصرف على المشاريع التنموية، فالتحصين هو برنامج تنموي، وما ينفق عليه هو استثمار كما ورد في أكثر من إجابة سابقة. وبرغم أن حجم الإنفاق الحكومي الراهن على التحصين لا يزال محدوداً مقارنة بما هو مطلوب لتغطية الاحتياج على المستوى الوطني، إلا أن تقدماً كبيراً أحرز في هذا المجال والحكومة اليوم تدفع جزءاً كبيراً من قيمة اللقاحات، وهو إنفاق رشيد يمثل كفاءة في استغلال الموارد ولا يعتبر هدراً، حيث أني وكما اسلفت أوكد على المعادلة التي يتبين أن إنفاق دولار واحد في مجال التحصين يعود بالنفع بما يعادل 43دولار على التنمية الوطنية وهذه دعوة لمزيد من الإنفاق من أجل مزيد من المردود الصحي في الفعل التنموي.

أولوية دور المجتمع
10% من أطفالنا يموتون بسبب أمراض يمكن الوقاية منها.. ماهي الأسباب من وجهة نظرك؟

لا شك أن نقص الوعي بالمشكلات المرضية وكيفية الوقاية منها يمثل السبب الأول في تفاقم المشكلات والواقع أننا نعاني من قضية مركبة.

حيث تكيف المجتمع مع أسلوب معين في الحياة وأصبح التغيير أمراً صعباً يتطلب الوصول إلى الفرد وإقناعه بالممارسة الصحية السليمة ليجنب نفسه وأسرته المراضة وتداعياتها. وأكرر هنا التأكيد على أولوية درو المجتمع المحلي، فقيادات مؤسسات المجتمع المدنية هي الأكثر وصولاً للمواطن، وبالتالي الأقدر على التأثير فيها بتعاونها مع وزارة الصحة العام والسكان في ذلك.

حزمة التدخلات لتغيير السلوك
ما هي الأسس والمعايير التي بإمكانها تغيير العادات والسلوكيات الصحية لدى الفرد؟ دلل عليها بمثال مشكلة القات في اليمن؟

مبادرات تغيير السلوك تتطلب البدء برفع الوعي بالمشكلة ومخاطرها.

غير أن التدخل لا يكفي لتغيير السلوك معاً يؤكد ضرورة التفكير بحزمة متكاملة من التدخلات فغالبية متعاطي القات لتغيير السلوك معاً يؤكد ضرورة التفكير بحزمة متكاملة من التدخلات فغالبية متعاطي القات يدركون مخاطره على الصحة العام بسبب المبيدات المستخدمة خلال الزراعة، والأثر السلبي للجلوس الطويل لساعات عدة، والطقوس المرتبطة بتعاطي القات من ازدحام المكان وإغلاق نوافذه.

وبالتالي فساد الأهوية في موقع تعاطي القات، ناهيك عن مخاطر اخرى تتعلق بمكونات مادة القات بحد ذاتها والتي تسبب التنبه غير الطبيعي، ولها آثارها على الحالة النفسية للمتعاطي. وبرغم كل ذلك فإن المعتاد على القات لن يغير في أغلب الحالات سلوكه حتى وأن تطورت معارفه، خاصة مع ما يسببه القات من إدمان نفسي وتعود حياتي. وهنا يأتي دور حزمه التدخلات لتغيير السلوك، فبعد رفع الوعي لا بد من توفر الحافز والمهرة والبيئة المؤاتية لتغيير السلوك من وضع سلبي لتفاعل إيجابي مع المعارف وبالتالي التحول إلى الممارسة الصحيحة.

ثنائية الصحة والتعليم
كيف يمكن أيجاد مدرسة معززة للصحة؟ وماهي أبرز مكونات المدرسة الصحية؟

المدرسة المعززة للصحة هي بيئة لتطوير المهارات الحياتية في المجتمع بالتركيز على الطلبة والمدرسين والعاملين، ضمن ثنائية الصحة والتعليم. ودور المدرسة هنا أساسي في توعية المجتمع، والاستجابة لاحتياجاته على أساس معرفية صحيحة. أما مكونات الصحة المدرسية .

فتتمثل بالخدمات الصحية الواجب تقديمها.والتوعية والبيئة المدرسية الصحة والصح1ة النفسية والدعم الاجتماعي، والتغذية، والتربية البدنية والترفيهية، وتعزيز صحة العاملين، والبرامج الصحية الموجهة نحو المجتمع.

وهذه المكونات التي تأتي ضمن مبادرات منظمة الصحة العالمية نحو وإشراك فئات المجتمع.

وهذه المكونات التي تأتي ضمن مبادرات منظمة الصحة العالمية نحو إشراك فئات المجتمع في التنمية الصحية تنطلق من مفهوم أن الصحة لا يمكن أن تحقق في عزلة مؤسسية بل في تفاعل مجتمعي حقيقي.

يرد على الحياة إشراقتها الطبيعية التي هددتها طويلاً ممارسات غريبة عن منهج الوفاء لنعمة وهبها الله لعباده "نعمة الصحة" فالنعمل على حفظها.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى