ما السر وراء ولع السياسيين بكرة القدم؟

> «الأيام الرياضي» وكالات:

>
رئيس وزراء بريطانيا
رئيس وزراء بريطانيا
يحرص رجال السياسة على الظهور إلى جانب منتخبات بلدانهم في المناسبات الكروية . تختلف مظاهر ارتباط السياسة بكرة القدم بين دولة وأخرى، إلا أن الأكيد أنه ارتباط ترسخ مع مرور الزمن فصارت المناسبات الكروية حقلا سياسيا بامتياز يحرص فيه رجال السياسة على الظهور إلى جانب منتخبات بلدانهم وارتداء قمصان اللاعبين أو محاولة ركل الكرة أمام عدسات المصـوريـن لـكسب ود الناخبين أحيانا.

وكما ارتفعت أصوات الجماهير بالهتاف داخل الملاعب الألمانية في عرس المواسم الكروية، أي نهائيات كأس العالم، ارتفعت أصوات أخرى ذات دلالات سياسية خارج الملاعب.

فهذه مظاهرات صاخبة في مدينة نورمبورغ تندد بالرئيس الإيراني محمود أحـمدي نجـاد وبتصـريحاته حول إسرائيل.

وهذه أصوات أخرى لنواب في البرلمان الأوروبي تطالب بتجميد عضوية إيران في الاتحاد الدولي لكرة القدم ( الفيفا) وحرمانها من المشاركة في المنافسات الدولية.

فلم كل هذا التداخل بين السياسة ومعـشوقة الجماهير؟ وهل هو حديث العهد؟

كلا يقول الأخصائيون فالارتباط بينهما ضارب في جذور التاريخ وربما يرجع إلى بداياتها الأولى عندما ظهرت في انجلترا واجتاحت ببساطتها العالم شرقا وغربا.

ولكن بعض خبراء العلاقات الدولية يرون أن الكرة أيضا استفادت من هذه العلاقة.

ويقول الدكتور مراد زروق الباحث بجامعة مدريد المستقلة في حديث لبي بي سي العربية إن " العلاقة هي كل شيء علاقة منفعة متبادلة. فالقرارات السياسية تخدم أحيانا مجال كرة القدم سواء فيما يتعلق باعداد البنى التحتية أو فيما يخص إعداد سياسات محكمة."

ويضيف: " أما اهتمام رجال السياسة بكرة القدم فيدخل في باب استقطاب همم عشاق كرة القدم من الناخبين، وهو اهتمام يتفاوت بين مختلف الدول والأنظمة. فالأنظمة الشعبوية في أمريكا اللاتينية مثلا استغلت مجال كرة القدم إلى أبعد الحدود."

إلا أن استفادة السياسيين تأتي في المقام الأول بطبيعة الحال.

وفي هذا السياق، يعتبر د. زروق أن انتصار منتخب الأرجنتين على نظيره الهولندي في نهائي كأس العالم عام 1978 كان متنفسا لأزمة اجتماعية خانقة كادت تعصف بهذا البلد.

الرئيس البرازيلي
الرئيس البرازيلي
الحفاظ على الهوية

واليوم أصبحت الساحرة المستديرة تجسيدا للعولمة وحقلا من حقول تجلياتها، كما يقول باسكال بونيفاس مدير المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية وأحد كبار المشتغلين على الموضوع.

فالدول الأعضاء في الفيفا على سبيل المثال (207 دول) تفوق في عددها الدول الأعضاء في منظمة الأمم المتحدة التي لا يتعدى عدد أعضائها 191 عضوا.

وتمثل بريطانيا بأربعة أعضاء في الفيفا بينما تشكل جميعها دولة واحدة في الامم المتحدة.

بل إن هناك من ذهب إلى حد اعتبار أن وجود فريق وطني أصبح واحدا من الشروط اللازمة لقيام دولة ما.

وكثيرا ما كان تشكيل منتخب وطني لكرة القدم يسبق قيام الدولة أو حصولها على الاستقلال كما حصل في الجزائر.

كما أن كرة القدم تصبح في أحيان كثيرة عاملا من عوامل الحفاظ على الهوية. فالاتحاد الأوروبي على سبيل المثال كرس العملة الموحدة وسوقا مشتركة و مؤسسات اتحادية بينما حافظت كل دولة على منتخبها الوطني.

انحياز السياسيين

وفي أوج المواسم الكروية يصبح الجميع يتكلم لغة واحدة يفهمها الجميع.

فالأمين العام للأمم المتحدة على سبيل المثال خرج عن حياده المفترض وأعلن عقب فوز فريق بلده الأصلي غانا على الولايات المتحدة في الدور الأول للنهائيات التي يقيم بها بأنه "فخور" بأبنائه.

الرئيس الايراني في احدى تداريب منتخب بلاده
الرئيس الايراني في احدى تداريب منتخب بلاده
كما أقر رئيس الوزراء البريطاني توني بلير بمتابعته لمباريات الفريق الانجليزي أثناء اجتماعاته الرسمية وقال:

" تابعت مباراة ترينيداد وتوباجو(أمام انجلترا) وكنت في ذلك الوقت أحضر اجتماعات رسمية."

وما أن لاحت في الأفق شمس المونديال حتى هب العديد من قادة الدول وبعضهم يخوض معارك انتخابية حاسمة أو على وشك الدخول فيها لالتقاط صور مع منتخبات بلدانهم، وهو ما قد يوفر عنهم لربما خطبا طويلة في الحمـلات الانتخابـية.

كاتب فرنسي: شيراك راهن على هذه الجرعة التخديرية الجماعية للتغطية على فضيحة كليرستريم

ففي فرنسا، وحسب الكاتب إغناسيو راموني، راهن كل من الرئيس جاك شيراك ورئيس الوزراء دومينيك دوفيلبان على هذه الجرعة التخديرية الجماعية للتغطية على فضيحة "كليرستريم" التي هزت أركان الحقل السياسي الفرنسي.

وفي إسبانيا هناك من رأى في فوز نادي برشلونة بكأس رابطة الأبطال الأوروبية انتصارا للطموحات الاستقلالية لاقليم كاتالونيا، حيث " تزامن مع النقاش حول مسألة الحكم الذاتي الموسع الذي تريد أن تحظى به منطقة كاتالونيا الغنية".

وكثيرا ما ارتبطت أبعاد رمزية بصورة بعض الأندية الاسبانية ففريق ريال مدريد ينسب إلى الديكتاتور السابق فرانكو لأنه كان فريقه المفضل.. وفيما يمثل ريال مدريد اجماع الإسبان حول فريق موحد، يرمز نادي برشلونة إلى تفوق اقليم كاتالونيا. ولا ننسى أن تصريحات رئيس النادي تتم باللغة الكاتالونية.

وفي إيطاليا، أثار لاعب شهير جدلا سياسيا بعد قيامه بإشارة يدوية ترمز إلى الفاشية على رقعة الملعب، بل إن الأندية الايطالية باتت معروفة بولاءاتها لأحزاب معينة. فالرئيس السابق تشامبي كان من مشجعي ليفورنو وبرلسكوني يملك نادي ايسي ميلانو. ويكفي الإشارة إلى أن الحكم الشهير كولينا اعترف ذات مرة بتلقيه تهديدا من إحدى مجموعات المافيا مما أرغمه على اصطحاب مجموعة من المرافقين الشخصيين بسبب قوة المافيا في "الكالتشيو" الإيطالي.

وفي ساحل العاج، تشكل الكرة عامل توحيد لبلد تقسمه النزاعات الاثنية. وفي نيجيريا، يقتسم الجنرالات اللاعبين كما يقتسمون الدبابات ويعكس الفريق المختلط الخلافات بين المسلمين والمسيحيين.

وفي المباريات بين تشيلي وبوليفيا يرفع الجمهور شعارات تطالب بحق بلادهم في منفذ على البحر فيما يذكر الصينيون خصومهم اليابانيين في المباريات بينهما بالمذابح التي ارتكبوها خلال غزوهم للصين.

بلاتر استفاد من السياسة لتثبيت موقعه في قمة سلطة كرة القدم
بلاتر استفاد من السياسة لتثبيت موقعه في قمة سلطة كرة القدم
حرب المائة ساعة

وتسببت مباراة في كرة القدم في إشعال فتيل حرب طاحنة في أمريكا الوسطى عام 1969، فما أن سجل اللاعب روبرتو كوردونا لاعب هندوراس هدفا في شباك بوليفيا حتى كانت طائرات السلفادور الحربية تقوم بقصف مدن ومنشآت هندوراس في حرب استمرت 100 ساعة بالتمام والكمال وخلفت أكثر من 4 آلاف قتيل و12 ألف جريح إضافة إلى تدمير آلاف الدور السكنية وتشريد عشرات الآلاف.

غير أن الكرة ليست هي من يصنع العنف بل إنها تكون امتدادا لظواهر اجتماعية راسخة في المجتمعات كما هو الحال بالنسبة للعنصرية والتمييز العرقي.

بطاقة حمراء

ربما أن رجال السياسة لا يحبون أن يسرق نجوم الكرة الأضواء عنهم ولو لفترات محددة. فتراهم يقتحمون عليهم الباب ويختلطون بهم على غير العادة.

وهذا ما يجعل البعض يشهر بطاقة حمراء في وجههم متسائلا أما آن الأوان ليرفعوا أياديهم عن هذه اللعبة التي لا تسمح قوانينها بلمس الكرة بالأيادي.

والبعض الآخر يقول إنها أيضا حقل سياسي واجتماعي تكون الغلبة فيه للأقوى.

وبين هؤلاء وأولئك يركز الولوعون بالكرة على تحركاتها وعلى تحركات اللاعبين ويتجاهلون ما دون ذلك.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى