«نصوص إشراقية» للمتصوف السهروردي تنشر لأول مرة

> القاهرة «الأيام» سعد القرش:

> بعد أكثر من ثمانية قرون على إعدام شيخ الإشراق شهاب الدين السهروردي أحد أبرز المتصوفين في تاريخ الإسلام تنشر لأول مرة ثلاثة من نصوصه الإشراقية.

ويضم كتاب "نصوص إشراقية.. ثلاث رسائل في الرؤية والمجاز" تحت عناوين "حفيف أجنحة جبرائيل" و"العقل الأحمر" و"رسالة كلمات الصوفية". وصدرت الطبعة الأولى من الكتاب بتحقيق وتقديم الباحث العراقي قاسم محمد عباس عن دار (ديوان المسار للترجمة والنشر) في بغداد. ويقع الكتاب في 126 صفحة متوسطة القطع وحمل غلافه صورة يعتقد أنها لقبر السهروردي "الحكيم المتأله" في العاصمة العراقية.

وتشمل "رسالة كلمات الصوفية" 25 فصلا قال المحقق إنها الرسالة الوحيدة التي خصصها السهروردي لشرح الاصطلاحات الصوفية واصفا إياها بأنها إحدى عيون النثر الصوفي.

وتتراوح فصول الرسالة طولا وقصرا بين بضع صفحات وأربعة أسطر ففي فصل عنوانه "النبي" يرى أن وجود نبي ضرورة لتذكير الناس بربهم "فيجب من العناية الإلهية وجود شخص في كل عصر مأمور بإصلاح النوع مؤيد بآيات تدل على أنها من عند الله فيفرض عليهم قربات الله حتى لا يكونوا كالبهائم يأكلون ويتمتعون فيكونوا كالأنعام بل هم أضل." كما يقدم شرحا لبعض مصطلحات الصوفية ومنها الوجد والسكينة والمعرفة والأنس والزهد والمكاشفة والفناء والمشاهدة.

وفي فصل "لذة التفكير في الملكوت" يقول "من أدام فكره في الملكوت وذكر الله صادرا عن خضوع وتفكر في العالم القدسي فكرا لطيفا وقلل طعامه وشهواته وأسهر لياليه متملقا متخشعا عند ربه لا يلبث زمانا طويلا حتى تأتيه خلسات لذيذة كالبرق تلمع وتنطوي ثم يلبث فتغيبه وتبسطه وتطويه."

وكتب المحقق مقدمة عن السهروردي "كما رسمته المصادر التاريخية" مشيرا إلى ندرة الروايات عن طفولته وعائلته وظروف إعدامه.

ولد شهاب الدين يحيى بن حبش بن أميرك السهروردي الملقب بشيخ الإشراق في قرية سهرورد بشمال شرق إيران عام 1153 ميلادية ودرس الفقه والفلسفة وكان مولعا بالترحال فتنقل بين إيران والعراق وسوريا ومنطقة الأناضول ثم استقر في مدينة حلب تلبية لدعوة الملك الظاهر بن صلاح الدين الأيوبي.

وقال عباس إن حلب شهدت محاكمته وإعدامه حيث دعا الملك الظاهر الفقهاء إلى مناظرة السهروردي "وأفحم الفقهاء الذين ناظروه وأظهرهم في موقع لا يحسدون عليه مما أوغر صدورهم حقدا عليه" وبدأوا يخططون لاتهامه بالخروج على الدين. وفي مناظرة أخرى علنية في مسجد حلب سأله بعضهم "هل يقدر الله أن يخلق نبيا آخر بعد محمد صلى الله عليه وسلم؟" فأجاب السهروردي "لا حد لقدرته" فعمدوا إلى تأويل كلامه وأعلنوا كفره وطالبوا بإعدامه بحجة ترويجه لما يتنافى مع العقيدة الإسلامية.

وقال المحقق إن الملك الظاهر رفض طلبهم فلجأوا إلى صلاح الدين الأيوبي في مصر وكان معروفا "بكراهيته الشديدة للصوفية والفلسفة" فضغط على الملك الظاهر حتى ينفذ رغبة "السلطات الدينية الهائجة على الحكيم الشاب" فأودع السجن وأعدم عام 1191 ميلادية وأحرقت كتبه. وأشار إلى أن إحدى الروايات تذهب إلى أنه سجن في قلعة حلب ليهلك جوعا وعطشا في حين تقول أخرى إنه أرسل القاهرة حيث أمر صلاح الدين بقطع رقبته.

وقال "مهما اختلفت روايات إعدامه فإنه من الثابت أن الذي أمر بإعدامه هو صلاح الدين الأيوبي... لاقى السهروردي في سن الثامنة والثلاثين المصير الذي لاقاه سلفه العظيم الحلاج." وكان الحسين بن منصور الحلاج قد اتهم بالزندقة وصلب في بغداد عام 922 ميلادية بقرار من الخليفة العباسي المقتدر بالله الذي تولى الحكم بين عامي 907 و932 ميلادية تقريبا.

وتقول المصادر التاريخية إن الحلاج ضرب حوالي ألف سوط ثم قطعت أطرافه وصلب وظل معلقا على جسر ثم ضربت عنقه وحز رأسه وأحرقت جثته وألقي الرماد في نهر دجلة. وسبق أن قام عباس محقق هذه النصوص الإشراقية للسهروردي بجمع وتوثيق الأعمال الكاملة للحلاج.

وقال عباس إن السياق الذي أدى إلى مأساة الحلاج بعد سلسلة من المحاكمات يشبه كثيرا السياق الذي قاد إلى إعدام السهروردي "إنها حكاية الحلاج نفسها بكثافتها الدرامية ورمزيتها الطاغية وصراع المجالات أو تعارض الفضاءات الاصطلاحية وتقاطع الأطر المنهجية وانتصار المركزية الأرثوذكسية السنية التي تشكل وجه الإسلام الرسمي." ووصف موت السهروردي بأنه نادر واستثنائي.

وقال "يذكرني أبدا بموت الحلاج وهو موت واحد ومتفرد لم يكن نتيجة عادلة لطبيعة الصراع بين فكر الجماعة وفكر فردي ما فوق الشخصي يؤسس لحياة قلائل من الصوفية لا تنطبق عليهم المحادثات الأخلاقية الشائعة فيما لو اعتمدناها كمقياس لمعرفة ما إذا كانوا يمثلون حقيقة خطرا على الشريعة في جوهرها بقدر ما نكتشف أنهم يشكلون سؤالا حقيقيا يقوم على إعادة قراءة جوهر الشريعة."

ومن أعمال السهروردي "مؤنس العشاق" و"هياكل النور" و"البارقات الإلهية" و"المناجيات" و"حكمة الإشراق" و"اعتقاد الحكماء" إضافة إلى كتب أخرى بالفارسية التي ترجم إليها "رسالة الطير" للفيلسوف الطبيب ابن سينا.

ووصف السهروردي بأنه الحكيم المتأله والحكيم الثيوصوفي مشيرا إلى أنه ترك أكثر من 50 كتابا حاول كثير من المحققين تصنيفها "إلا أن المحاولة التي تستدعي الاهتمام هي محاولة (المستشرق الفرنسي) المرحوم لويس ماسينيون (1883 - 1962) الذي يعد أول من قام بمحاولة علمية تهتم بالبحث في علاقة ترتيب كتب شيخ الإشراق بتطور فلسفته." رويترز

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى