قصة قصيرة بعنوان (صفاءٌ وغدر)

> «الأيام» ياسين علي العولقي:

> عُرف بهذا اللقب.. الكل ينادونه به «ابن البحر» يركب عباب البحر كل صباح يقضي يومه ممتطيا الأمواج على متن قاربه المتهالك الذي ورثه عن والده.. والده الذي عشق البحر حتى النخاع.. ركن للبحر وأفشى له سرّه .. وثق به.. لم يكن في خلده أن البحر قد يغدر به في يوم من الأيام، نظر ذات يوم إلى السماء وهو في وسط البحر.. كانت صافية ناصعة الصفاء.. مما يوحي بحظ زهيد من الصيد، امتعض فور رؤيته للسماء الصافية.. رمى بشبكته إلى البحر.. ظل واجماً كتمثال مرت عليه عوامل التعرية بأكملها ولم تزحزحه أو تغير ملامحه.. يظل هكذا لساعات بانتظار أن تغمز الشبكة ويزداد ثقلها .. بدأت الريح تشتد أخذ يتمايل هو وقاربه النحيل.. لقد تغير الجو فجأة .. أخذت الأمواج تتلاطم واشتد تلاطمها مما يوحي بعاصفة بحرية شديدة .. ألح على نفسه على أن لا يعود إلا وشبكته حبلى بالأسماك .. انقلب القارب رأساً على عقب، حاول العوم ليتفادى شدة هذه العاصفة وانحسار مياه البحر.. أخذ يعجّل من حركة رجليه ولكن الأمواج أطبقت عليه، حاصرته وللمرة الأولى وفي هذه اللحظات الحرجة تذكر نصيحة صديق له يحذره من غدر البحر وعدم الركون إليه، أدرك أنها النهاية .. نهاية ابن البحر.

انهمرت دمعة ساخنة ورسمت خطاً مستقيماً على محيا الابن وهو يتذكر هذه الحادثة ..حادثة غدر البحر بوالده .. رغم مضي عقدين من الزمن على هذه الحادثة، تذكرها وهو ممتط عباب البحر، رفع بصره إلى السماء التي بدت صافية، نظر إلى البحر الساكن الهادئ، أصدر نصف ابتسامة وهو يقول: آه منك أيها البحر.. إنه الهدوء الذي يسبق العاصفة.. لا أمان لك.. لا ركون لك.. حتى لو أفشى الواحد منا بكل أسراره لك .. لا ثقة فيك .. أخذت مني أعز نفس إلي.. لم تلق للعيش والملح أي بال.. أخذته على حين غرة.. دفنته في باطنك.. ضريحه هنا في باطنك .. قالها ورفع كفيه إلى السماء ليقرأ الفاتحة على روح والده.. أولى للبحر قفاه .. أخذ يجدف بتمهل .. فجأة تهادى إلى سمعه ضجيج وصخب .. التفت وراءه .. أمواج عاتية مهرولة باتجاهه.. زاد من سرعة تجديفه.. وهو يقول غدار.. غدار ليس لك أمان.. ابتلعته الأمواج أطبقت عليه فكيها.. لتعلن رحيل ابن بحر آخر .. ابن الوز عوّام.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى