في الذكرى .. الثلاثين لرحيله .. أبي .. غادرنا الألم

> د. واعد عبدالله باذيب:

> من جنوب غرب فيدرالية التراضي الوحدوي الهندي إليك في يوبيلك الثالث الذي يصادف الأربعاء 16 أغسطس 2006م. إليك يا نبراس ووهج دربي.. وإليك يا كوني وكلي أناجي، ومن حرمني القدر من حضنه وعطره وتربيت أصابعه، منك يا أبي شفاهة لا كتابة.. اليك يا باذيب الأب، الانسان، الفكر، النضال، القلم، المبادئ، الشرف، والصدق في الانتماء والصدق في العطاء والصدق في النضال.. أنتمي، أصبو، أغني، أعشق.. وإليك أكتب.

وها أنا يا مدرسة الصحافة اليمنية صاحبة الرسالة الحقة أختلس قلمي وأوراقي وحبري لأزاوجها بأسطر، ناكثاً وعداً قطعته على نفسي بعدم تسليم نفسي لرغبتي للانضمام لبلاط صاحبة الجلالة حتى أوفيك وعداً قطعته على نفسي ولك بمناهضة هذه الرغبة حتى أفرغ من الحصول على أعلى شهادة علمية .. العلم ذلك الطريق الذي استوقفك فيه الاستعمار والفقر فدستهما وانتصرت عليهما وانطلقت في فضاء أرحب وأوسع علماً وأدباً فكراً وثقافة لتكون في سني عمرك الأولى قبل اجتياز حاجز العشرين (أشعب، وابن خلدون، وابن الجنوب، وع. ع. ب، والمحرر وعبدالله باذيب) كاتباً حراً مناضلاً برسالة وطنية ستظل خالدة بنبل وصدق أهدافها وشرفها، بل لتكون مؤشراً لانطلاق الوعي الوطني بفكر وقلم رجل اسمه عبدالله باذيب بعمر لا يتجاوز 17 عاما عندما أصدرتم «المستقبل» عام 49م وكانت شعاع فجرنا وإرهاص ثورتنا كغيرها من إصداراتك مثل «الأمل» و«الطليعة» وكل محطاتك النضالية صوب المستقبل الفكرية والسياسية والنضالية، ولكنني تناولت مطبوعة «المستقبل» لأني أعجز عن استحضار زمانك وظروفك لأن الشاب ذا الـ17عاما يستشرف آفاق ومستقبل شعب ووطن متشظٍّ مشطر محتل، منطقه يلامس أبجديات الانطلاق ويستحضر ثورة التحرر والتغيير والتوحد بعشرات السنين بل ويستنتج آفاق تطور الوطن بقراءة عميقة متأنية لمنغصات ومحفزات عجلة التطور اليمني أرضاً وإنساناً.

أبي .. تراث غني تركته لي وأي مدرسة متعددة متنوعة خلفتها وورثها لكل شرفاء ومرابطي المبادئ بوطنك، والذي سنظل ننهل منه ونستحضره وسنحافظ عليه وسنحميه في خزائننا وعقولنا .. سأحمي مفكرة أرقامك وساعتك وبذلتك الأخيرة كما هي .. مقالك الأخير، أجندتك وبغمدها قلم المحراب حتى نجد أوامرك أنت يأ أبي.. مناضلون أفراد لم يحافظو على أنفسهم مثلما حافظوا على وثائقك وحزبك الاشتراكي، وقبله حامل يراع ومشعل اليسار التقدمي اليمني حزبك وفصيلك محور التغيير الفكري للثورة الاتحاد الشعبي الديمقراطي أثناء الصراعات، أثناء الاعتقالات قبل وبعد موتكم .. كثيرون أبي رفاقك والمناضلين الأوفياء لك ولتاريخك ومنهم الصادق الوفي ياسين ناشر.

أبي .. حاولت أن أشرح لك في أحرفي هذه أين وكيف أرض ميعادك دولة اليمن الموحدة وصلت، أو هل لامستْ ما أردته فعجزت، وأكيد قد أخبرك بذلك خلال مشوار رحلة فراقك من أتوا إليك: عمر الجاوي وسالمين وجارالله وعلي عنتر وفاروق وفتاح وسلطان وجاعم وسعيد صالح وماجد وعبدالله صالح عبده وثابت عبد.. أكيد أخبرك فاروق رفعت وشيخ سميح وبلجون وأبو أصبع وآخرهم أبو الشفيع النجاشي وبن حسينون.. ومن سيأتون تباعاً.

أخبروك رسموا إليك أين وكيف نعيش وما هو الدرب الذي سلكناه بعدك.. كيف امتطينا حزباً وفكراً رحلة الوحدة، وكيف كانت أهازيج وفرحة شعبك وكيف وصلت، أين وكيف صار حزبك الطليعي وكيف حافظ على أبجديات ثورتنا أكتوبر وسبتمبر صوب اليمن الحر الديمقراطي الموحد، ومن خذل ويخذل هذا المشروع.

أكيد أخبروك يا أول من رفع شعار (نحو يمن حر ديمقراطي موحد) كيف صارت يمننا الحبيبة بعد الحرية والوحدة والديمقراطية .

أخبروك بأن اسمك وتمثالك وكتب مختاراتك قصفت وضربت بالقذائف والرصاص ولطخت بالدماء أو رميت ككتبك المتغنية بالوحدة للفئران وكأنهم يعاقبون وحدويتك وأهميتك وصدقك فيها.. لم ولن يفلحوا في ذلك لأن اسمك عنوان، وفكرك انتماء ،لأن نضالك مدرسة، وتضحياتك رمز للفداء .

أبي، كنت قد اخترك جزءا يسيرا من كتاباتك لأقتبسها في مناشدتي هذه إليك، ووجدت فيها جوابك لي ولرفاقك ولشعبك لأنني انتظرت وغيري ردك طويلاً فوجدت فيها ضالتي لأنني ما زلت أبحث عن شفاء للألم، عن مصل لما نشعر به من علقم، فوجدت بأنها لا يمكن اقتباسها بل نشرها كما هي، ولكنني أنصح من يريد ردك بأن يقرأ مختاراتك الجزء الأول منه مثلما قرأتها، فاقرأوا مقالات باذيب قبل نصف قرن، اقرأوا مقالات الشاب عبدالله باذيب (بدلاً من الديكتاتورية، من هو البطل، بعض مواقف الصحافة، لا أمل، حرية وحرية، لا هدنة ولا هوادة، لا تقاطعوها، نحن متطرفون، الطريق إلى الثورة في اليمن، في المعركة، الكاتب الحر، المبادئ والأشخاص).. وذلك ما استطعت أنا امتلاكه والاطلاع عليه وأنا في غربة عن منزلي ومكتبتي لأشخص ما نحن فيه، وهي لا تمثل شيئا بجانب تراثك الوفير الغني المفيد دائماً.

وبعد قراءتي المتأنية لمقالاتك المعدودة تلك، اسمح لي أبي بأن أغادر ألم فراقك لأنك لم ترحل وباق معي وشعبك وحزبك للأبد سنغادر ألم حرب 94م وكل آلامنا.

أبي غادرت ونغادر الألم حزباً وشعباً، بالعقل والعاطفة بالروح والدم نرسم ملامح التغيير القادم، نبني ما فقدناه بدولة الوحدة التي ناديت وحلمت بها وناضلت .. أبي توحدنا جغرافياً وتشظينا إنساناً وروابط .. غادرنا الألم عندما حافظنا على شريك الوحدة وناهل تراثك وتراث الحركة الوطنية اليمنية حزبك الاشتراكي، وعقدنا مؤتمره الخامس من القاعدة للقمة، وها نحن حزباً نعود إلى حيث أتينا وأتيت، إلى أحضان الجماهير نلتحم بهم.

غادرنا الألم عندمل ثبتنا قضية إصلاح مسار الوحدة التي اختلت وافتقدت لصيغة التراضي بفعل الاقصاء والدم والحرب في أدبياتنا ونضالاتنا.

غادرنا الألم عندما انطلقنا مع تيار التصالح والتسامح والوفاق نوحد الصف ونشفي جراحنا ونحتضن بعضنا ونتسامح لأخطائنا المشتركة.

غادرت ألمي عندما بدأت أحلم بالكتلة الوطنية التاريخية للتغيير، واقتنعت بأنها وحدها الكفيلة بنقلنا للمستقبل وتجاوز هذا الحاضر المأسوي ،وها نحن نؤسس لها جميعاً أحزاباً وتيارات، قبائل وأفراداً، من أجل الوحدة والوطن والمستقبل لكل اليمن، ومن أجل اليمن الموحد أرض ميعادك.

غادرنا الألم عندما فقدنا بعدك جارالله من أسس بدمائه كتلة اللقاء المشترك للمعارضة والتغيير وللندية، فاتفقنا حزباً أولاً ثم مع رفاقنا بالمشترك على أن الوحدة اختلت وبحاجة لإصلاح مسارها. ولكنني أبي مازلت أبحث عمن سيصلح مسار الوحدة، ووجدت أن هذه الكتلة الوطنية التاريخية التي ظهرت معالمها هي من ستصلح المسار على اعتبار أنها الحاملة الحقيقية لمشروع الوحدة، وهي نفسها تلك التي اصطفت ووقفت خلف مشروع ثورة أكتوبر ومن حمت ثورة سبتمبر ومن انتصرت وفكت حصار صنعاء ومن حمت مسيرة الثورتين والدولتين صوب الوحدة.

أبي .. غادرت الألم وسنغادره جميعاً كلنا شرقاً وجنوباً، كل الطامحين شمالاً وغرباً وجنوباً لعيش أفضل بالتسامح وبالاقتراع وبالأصوات والمهرجانات والمسيرات حتى تنطلق كتلتنا التاريخية الحامل الاجتماعي الأكيد للإصلاح الوطني والسياسي لإعادة بناء الوحدة إنساناً ودولة ونظاماً سياسياً.

وقبل أن أنسى، من أحفادك مرام، نوران، عبدالله وأوسان، مليون قبلة وزهرة بيضاء.

عضو المكتب السياسي للحزب الاشتراكي اليمني.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى