طغيان الحزن على ديوان (تنهيدة البحر) للشاعر محسن باعديل

> «الأيام» صالح عقيل بن سالم:

> لقد أبدع الشاعر محسن أحمد الجفري (باعديل) في تصوير معاناته وتجاربه من خلال ديوانه (تنهيدة البحر)، إذ جاءت قصائده موزعة على العمود والتفعيلة، بل كانت التفعيلة أكثر سيطرة على ديوانه وبذلك كان من الشعراء القلة الذين تفردوا بالتفعيلة في محافظة أبين. والملاحظ لديوانه يرى زفرة وأنيناً وحزناً مخيماً عليه، لا يستطيع أن يتخلص منها. فالشاعر يعيش مرحلة من الاكتئاب والحزن بثها في كثير من قصائده منها، قصيدة (رص المسافات):

يا فضائي الذي لم يضق بي

إذا ضاق كل الذين اصطفيت

وحتى الأحباء مروا

ولم يحفلوا بالسلام

كأني الغريب

لظى مد عينيك

كل المسافات أضحت رحى

والطريق إلى قاع عينيك

لي لجة

ليس فيها القرار

أول ما يطالعنا المقطع الشعري بالنداء الذي وجهه للطبيعة، لتظهر ملامح رومانسية معبرة عن اتجاه الشاعر ورؤيته فالرومانسي دائماً ما يلجأ إلى الطبيعة لتخلصه مما يعانيه، ولتعوضه ما افتقده وأضاعه.

فالمقطع بدأ من النهاية (يا فضائي الذي لم يضق بي)، ثم جاءت الأسطر الشعرية اللاحقة لتبين الحالة التي يعيشها الشاعر، (الوحدة، الظلمة، الاكتئاب)، ولم يلجأ إلى الطبيعة إلا بعد أن افتقد كل شيء (الأحباء.. القرار..) .

ويقول في قصيدة (الاتكاء على زبد البحر):

كان بيني وبين الشراع ذراع

فلم تصطفيني الرياح

كلما امتد مد

لم تقو رجلاي

حتى على الاتكاء

على زبد البحر

فهذا اختناق الرئة

ركبتاه على النبض

حتى انحباس الخلايا

يدخل هذا النص في مسار التجديد الذي وظفته القصيدة الجديدة (الدراما) فالنص يبدأ بالدراما التي بثها الشاعر شكوى وحزناً، فكان لها سيطرة قوية على النص، وكان لها تأثير قوي على المتلقي.

فالشاعر يبحث عن أمل مفقود (الاتكاء على زبد البحر) ولم يجده فتتسع دائرة حزنه، فلا يستطيع المقاومة، فقد ضعف كل شيء في جسمه (رجلاه، رئته، ركبتاه، خلاياه). ويقول في قصيدة (الشفق المتفرد على منائر الكثيب):

إني أرشح ما تبقى من مساماتي

وأشرب مهجتي زاداً

وأنذر زفرة للريح

إن جاءت تعانقني

فقد خذل الصحاب مروءتي

والليل مثلهم

تناءى كالصحاب

لا العشب أحلام تؤانس وحشتي

كلا!

ولا النبع الزلال

هو الزلال

(ذهب الذين أحبهم)

لقد جاء هذا النص مثقلاً بالمعاناة وصدى للنصوص السابقة الذكر، لذا ارتفعت فيه الصرخات، وتعانقت فيه التجارب لتعزي بعضها بعضاً.

فالنص فيه توكيد للمعاناة، فقد رأينا في قصيدة (رحى المسافات) تنكر الأحباب والأصدقاء للشاعر (إذا ضاق كل الذين اصطفيت، وحتى الأحباء مروا، ولم يحفلوا بالسلام) كما حاول أن يكرر من صيغة الفعل المضارع (أرشح، أشرب، أنذر) وهي أفعال تدل على التفرد بالتجربة، كما تدل على الوحدة التي يعيشها الشاعر بعد خذلان الصحاب، وتغير الزمان (الليل) ونلحظ تكرار أسلوب النفي في آخر النص (لا العشب أحلام..) ولا النبع.. كلا، ليؤكد تجرده من كل شيء، وبذلك يضع معاناته إلى جانب معاناة الشاعر العربي القديم الذي سلبته الحرب (الحياة) كل أحبائه وأصدقائه ، فكان وحيداً فرداً (ذهب الذين أحبهم ).

إن استقاء تجربة الشاعر العربي القديم وتوظيفها في تجربة الشعر المعاصر يومي بارتباط التجربة والمعاناة، فما زال هناك ترابط وتداع للتجارب والهموم، وما زال الزمان يتردد بويلاته ونكباته على الحياة، فما بكاه الشاعر القديم يبكيه الشاعر المعاصر. وبذلك يعد الشاعر باعديل شاعراً من شعراء اليمن المجددين، فقد استطاع أن يعبر بالتفعيلة، ويوظف الرمز والدراما والشخصيات التاريخية، ويستقي تجارب مشابهة لتجاربه.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى