لبنان ... «أسير حرب» إسرائيل ؟

> غسان تويني:

> انطلاقاً مما حدث في لبنان هذا الأسبوع، في ضوء، بل في عتمة القرار 1701، وانطلاقاً مما لم يحدث خصوصاً كتضاؤل حجم القوات التي كان متوقعاً انضمامها الى «اليونيفيل» الموسعة المعززة (؟!) نرى ضرورة تكرار اقتراحنا الرجوع الى مجلس الأمن لنطرح قضية الشرق الأوسط برمتها (وضمنها بالطبع المسألة الفلسطينية) وللدعوة الى ما يشبه المؤتمر الدولي، انما في رعاية مجلس الأمن... عوض محاولة إحياء مخلّفات مؤتمر السلام الذي انعقد في مدريد، ثم تفسّخ مسارات مسارات الى... لا مكان، ولا حل!

ندعو الى الرجوع الى مجلس الأمن صارخين بأننا ظننا ان القرار 1701 هو بمثابة نهاية حرب اسرائيل على لبنان، فإذا بإسرائيل تنوي تفسيره بأنه بداية حرب مستمرة تحوّل لبنان غزة أخرى... وهي في ذلك تلتقي، على غير تنسيق حتماً، مع التصرف السوري والايراني، علماً بما يكمن بين الاثنين من تباين يزيد تعقيد حسابات اللاعبين على «الساحة اللبنانية» (مرة أخرى: الساحة!!!).

***
وحتى لا يكون كلامنا مبهماً، هذا بعض النماذج:

1 - اسرائيل تدّعي الحق في وصف العمليات، التي نقلت بها الحرب، من الجنوب (حيث لم تنسحب كلياً) الى البقاع والشمال بعمليات «دفاعية» يجيزها قرار مجلس الأمن لأن القصد منها هو منع تسلل السلاح الذي لم تخف سوريا نيتها الاستمرار في «تسليله».

2 - الصحيفة الاسرائيلية «هآرتس» (التي صار الاستشهاد بها موضة وقاعدة) «تبشّرنا» بأن إعادة تعمير الجنوب على الطريقة التي أطلقها «حزب الله» معناها تحويل هذا الجنوب «ايران مصغرة»... وفي هذا القول ما فيه من التهويل بل التهديد.

3 - دمشق تطرح، وعلى أعلى المستويات، رغبتها في تحرير الجولان (وملحقة به مزارع شبعا) بموجب القرارين 242 و338... أو بحرب «مقاومة شعبية»، مثل التي انتصرت في لبنان (ومن دون جميل سوريا)، ولِمَ لا؟...

4 - طهران تراوح مواقفها بين تهنئة لبنان بالقرار 1701 والتحفّظ عن مساهمات الدول العظمى أو بعضها في مترتبات هذا القرار. ولعلها «تعزّز» تحفظاتها بما قامت به، أمس بالذات، من مناورات عرضت خلالها أحدث أنواع الصواريخ التي أنجبت، فضلاً عن قدراتها الاجتياحية المعززة بالطيران المروحي الأحدث صنعاً (أميركياً!).

5 - يتزايد التمايز بين تفسيرات الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن لدور القوات الدولية، ثم بين التحليل الذي يبدو انها تجمع عليه والتفسير الاسرائيلي (وصولا الى المطالبة بتحصين الحدود مع سوريا!!!) ثم والتفسير اللبناني الذي لا يزال على شيء من الابهام و«التنوّع» والتردد.

والى آخره، الى آخره... ما قد يحمل الينا الكثير من المفاجآت البعلبكية (وغدا ربما «العكارية»)، من يدري؟ من يجزم؟

وقد تصبح الحكومة السنيورية هي الضحية الأولى للبلبلة التي يبدو ان قرار مجلس الأمن يسير نحوها، خصوصا اذا تحولت مطالبة «الفريق السوري» في السياسة المحلية (جداً) بتبديل الحكومة حركة تعيدنا الى موسم الشغب، كالسيارات المفخخة والاغتيالات، مما يكثر التكهن به بل التحريض عليه.

***
ونسارع الى القول انه لن يجدي لبنان ولا أحداً سواه أو فيه نفعاً ان تلبّي أميركا أو فرنسا بعض النداءات بالتوجه مباشرة نحو دمشق او طهران بالمطالبة بالتدخّل لتسهيل الأمور مع «حزب الله». ذلك ان «حزب الله» قد لا يكون هو العقبة لأن مصلحته في المدى القريب والبعيد هي الانصراف الى اعادة تعمير ارضه والعودة بشعبه، وشعبيته، الى الحياة الطبيعية السلمية، وليس تأبيد الحرب، بل تعميم الحرب من الجنوب الى البقاع فالشمال.

وحدها اسرائيل لها مصلحة في تعميم الحرب، وتنويعها والاستمرار في محاصرة لبنان حتى يصبح كله أسير حربٍ لديها، ولن يجدي لبنان ولا الدول الكبرى أن تراجع دمشق وطهران في ذلك، فهذه وتلك لا تأثير لهما على اسرائيل، وجوابهما عن المداخلة معهما سيكون الدعوة الى مطالبة اسرائيل (وأميركا من ورائها) بالحلول للقضايا العالقة، من الجولان... الى تخصيب الاورانيوم!!!

***
إلى أين من هنا اذاً؟

الى مبادرة في حجم المأزق، مبادرة ضخمة لحل أزمة متكاثرة الأبعاد لا حلّ لها، بكل بساطة، إلاّ بإشراك جميع أفرقاء كل النزاعات في الحل المطلوب... أو تستمر كلها تتفجّر في لبنان، وانطلاقاً منه رجوعاً الى جبهاتها الداخلية وحدودها المتاخمة والمتداخلة.

عملياً، يطرح الرئيس السنيورة وحكومته بكل مقوماتها هذا الاقتراح على الأمين العام للأمم المتحدة عند زيارته لبيروت الأسبوع المقبل، او في رسالة رسمية وخطية قبل وصوله. ولا حاجة الى البحث في الأمر مع مندوبه رود - لارسن لأنه دون مستوى بحث كهذا. ونطالب كوفي أنان الذي كانت مداخلاته في مجلس الأمن وقبل انعقاده وبعد قراره منفتحة على هذا الأفق وخصوصاً خصوصاً تقريره الأول عن تطبيق القرار، وفيه من التحذير ما يكفي ويزيد... نطالب كوفي أنان اذاً بتبني الاقتراح وحمله الى العواصم التي ينوي زيارتها، من تل أبيب الى طهران، مروراً بدمشق (لا بأس!) وببغداد (لِمَ لا؟).

ونقترح على الأمين العام ان يجعل شعار جولته ان القنبلة النووية التي يمكن ان تفجّر الشرق الأوسط كله، قديمه وجديده، هي حرب اسرائيل على لبنان، (وغزة، طبعاً) وليست تلك التي تتعثّر ايران في تخصيب أورانيومها!!! ولتفهم الدول ذلك، وتفهم المخاطر التي تهدد دول المتوسط التي تتسابق الى التردّد في المساهمة في «قوة لحفظ السلام في لبنان»، مزايدة في التساؤل عن أي سلام هو هذا الذي تُدعى للحفاظ عليه والحرب لا تزال قائمة؟...

***
تبقى مسألة أخيرة: كيف يصير صوت لبنان مقنعاً ومسموعاً؟

بكل بساطة وصراحة: بتوحيد هذا الصوت في العمق، كي يتمكن من الانطلاق عالياً وفي سعة آفاق كل الأمم.

وهذا يفترض ان تتوقف كل المساجلات والمناظرات التي لا يخلو بعضها من الصبيانية حول من انتصر في الحرب ومن يمسك في يده «قرار السلام»(!!!).

ولنؤمن ان ليس في لبنان من لا يعرف، متى عاد الى عمق العقل في قلبه، ان الحرب صارت مستحيلة بين اللبنانيين... وهل يمكن أن يتصوّر أحد منا صواريخ «حزب الله» مثلاً موجهة الى «محلّته» أو حزبه أو قريته ومنطقته، أو طائفته؟ ولماذا توجه هذه الصواريخ وماذا يمكن ان يجني «حزب الله» من ذلك غير المزيد من الخراب المجاني والعداوات التي لن يقوى على امتصاص مضاعفاتها، لا هو ولا أحد في لبنان، لا الحاكم ولا المحكوم ولا خصوصاً الطامح الى حكم!!!

فكفى، كفى، كفانا...

لقد اثبت شعبنا أي مخزون نفسي عنده للتآلف والتضامن، وبأية عفوية وعاطفية... فليستمر هكذا وليصمّ آذانه وقلبه الواحد الأحد، وعقله، دون حسابات السوء والشؤم. ولنبحث معاً في السلم الذي وحده ينقذنا لأن أية حرب تستمر الآن ستأخذنا كلنا معاً، بمن فينا شهداؤنا، اياً كان الفريق الذي استشهدوا في حربه، الى أبواب الجحيم التي يشرّعها عـدونا الـواحد الوحـيد الذي لا يميّز بيننا - ولو راوغ أحياناً - بتكبّره على الجميع: اسرائيل!

ولا بأس ان كررنا ذلك النداء لاشقائنا العرب كافة، ولجامعتهم وأمينها العام... ونذكّر مؤتمر وزراء خارجيتهم (اذا كان لم يرفضّ بعد) انهم هم كانوا السبّاقين الى اقتراح طرح القضية كلها مرة واحدة (قالوا «سلّة واحدة»، لا بأس) انما كانوا كالعادة، في جاهليتهم، يفقـدون صدقية القول لأنـهم يتقـدمون بـالاقـتراح خـطوة الى أمـام، فـخطوتين الـى وراء!!!

عن الزميلة «النهار» اللبنانية 21/8/2006

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى