الردع مفهوم استراتيجي إيراني من الآن فصاعداً

> إليزابيت شملا:

> جردة الحرب الإسرائيلية - الإيرانية الأولى - لأنّ هذا هو واقع الأمر - مرهقة جداً لإسرائيل وجزء من المجتمع الدولي. فبعد شهر من الأعمال الحربية وصدور قرار الأمم المتّحدة 1701، لم يُسلَّم الجنديّان الإسرائيليان اللذان اختطفهما "حزب الله" في 12 تموز، في عمل حربيّ متعمَّد استدعى ردّاً، ولم تجرِ مبادلتهما. والجيش الإسرائيلي، المنجرف وراء غطرسته وعجز قادته العسكريين وتهاون الرؤوس السياسية، فشل فشلاً ذريعاً أمام العالم. ليست إسرائيل الآن كما بالأمس في مأمن من صواريخ المنظّمة الإرهابية التي ترفض - وستستمرّ في رفض - تسليم سلاحها وتعتبر نفسها سيّدة على لبنان.

وقد لجأت حكومة إيهود أولمرت، التي تخلّت عن إحدى العقائد الاستراتيجية المؤسِّسة للدولة اليهودية أي استقلاليّة القرار في مجال الدفاع عن النفس، إلى الأمم المتّحدة للحصول على الحماية لها ولحدودها، وهو تخلٍّ غير مسؤول وتالياً خطر.

تضامن عدد كبير من اللبنانيين، الشيعة بالتأكيد، إنّما أيضاً السنّة والمسيحيين، مع "حزب الله" على الرغم من أنّهم يكرهونه، ولم يسبق أن كان العداء للسامية - ليس فقط المشاعر المعادية للإسرائيليين - بهذه القوّة والعلنيّة والتفشّي، وهو أمر يجري التكتّم عليه. تماماً كما يتفشّى هذا العداء في كلّ مكان في أرض الإسلام في كلّ القارّات. لمناسبة هذه الحرب، حقّق نصرالله انتصاراً داخلياً: انقلاب على الدولة لا يُعلِن عن نفسه صراحةً، لأنّ الحكومة اللبنانية أصبحت من الآن فصاعداً عاجزة علنياً عن معارضة رغباته. منذ الغد، سيشكّل السكّان العائدون إلى جنوب لبنان مجدداً قاعدته المدنيّة التي تُدفَع لها أموال كما نعلم، ومع انتهاء الحصار، سيبدأ "حزب الله" من جديد بتلقّي أسلحة ممتازة من إيران وسوريا. لم يعد نصرالله يتردّد في التهديد.

فقائد " حزب الله" شبه الواثق من أنّ الجيش سيكون مطيعاً - نصفه مؤلَّف من شيعة من جنوب لبنان وبحسب تعبير وزير الدفاع الياس المرّ، سينتشر في الجنوب من أجل "حماية انتصار المقاومة" - يهدّد، وكأنّه السيّد المطلق، وزراء المعارضة الذين يريدون نزع سلاح منظّمته "أنصحهم بعدم اللجوء إلى الاستفزازات لأنّ الجيش الأكبر (أي الجيش الإسرائيلي) لم يستطع نزع سلاح حزب الله".

كما أنّ نصرالله (ومموليه الايرانيين) خدع الأمم المتّحدة والقوى العظمى. من جهة، وافق على القرار 1701 ووقف إطلاق النار، ما يسمح له بالحفاظ على كلّ عتاده العسكري - المدني وإعادة تفعيله بأقلّ كلفة، ومن جهة أخرى أعلن عن "تحفّظات" بشأن هذا القرار، وهي تحفّظات تغاضى عنها الجميع مفضّلين ألا يفهموا أنّ نصرالله ينوي، من خلال وزرائه في الحكومة، تجاهل هذا القرار في شكل كامل. بصريح العبارة، يُسمّى هذا إذلالاً بالنسبة إلى أعضاء مجلس الأمن لكنّهم يتظاهرون بأنّهم لم ينتبهوا للأمر.

وخلافاً للإسرائيليين، أظهر نصرالله أيضاً أنّ لدى "حزب الله" وإيران عقيدة هجومية ودفاعية تمّت دراستها وإعدادها وتخطيطها بعناية كبيرة. فما وراء الأحقاد المتجذّرة بقوّة وبغضّ النظر عن الولاءات المختلفة، استطاع أن يوحّد العالم الإسلامي، ولا نعرف كيف سيتمكّن القادة لا سيّما السنّة منهم في البلدان الأكثر اعتدالاً المتحالفة مع الولايات المتّحدة، من الاستمرار في تحالفهم مع المعسكر الغربي.

أصبح نصرالله في شهر واحد المثال الجهاديّ الكوني متفوّقاً بذلك على بن لادن لأنّه لوى ركبة "الكيان الصهيوني" اللعين. فمن خلاله.

تبدو الحرب البسيكولوجية والعسكرية التي يشنّها أحمدي نجاد والملالي الإيرانيون نموذجاً مثالياً من الآن فصاعداً. إنّه نموذج كلاسيكي مثير للحماسة.

في غضون أيام، لن يبقى أمام أحمدي نجاد سوى أن يعلن رسمياً أنه سيواصل برنامجه النووي مستهزئاً بالعقوبات المحتملة (أيّ عقوبات؟...) فتصبح إيران أوّل بلد في المنطقة يبلغ مصاف القوى السياسية والعسكرية الحقيقية، إلى جانب كونها الزعيمة المطلقة للإسلام الراديكالي وإعادة الفتح.

في ما يتعلّق بالردع، سيلاحظ المحلّلون والخبراء الاستراتيجيون بسهولة نموذجاً تقليدياً: انطلاقة نزاع محلّي واستمراره - هذه الحرب التي تتواصل منذ 12 تموز - للتحذير من التعرّض للمصالح الإيرانية الحيوية. ليس من قبيل المصادفة أنّ أحمد خاتمي والرئيس الإيراني نفسه أعلنا فور بدء العمل بوقف إطلاق النار بأنّ صواريخ "شهاب 3" ستضرب بدون تردّد تل أبيب إذا تعرّضت إيران لهجوم أميركي. قال خاتمي "اللعب مع الإسلام أشبه باللعب بذنب الأسد" في محاولة للتعبير عن مفهوم استراتيجي معيَّن.

من شأن هذا المفهوم أن يسمح لإيران بأن تفرض جموداً دائماً على المجتمعات الشرق الأوسطية، فتقضي على آفاق التقدّم نحو تحديث يتمنّاه الغربيون بقوّة، كما يسمح لها بأن تفرض ربّما تسوية للنزاع الإسرائيلي - الفلسطيني... إنّما بحسب شروطها الخاصّة. إنّهـا معـادلة جديدة تشبه كابوساً بشعاً جداً.

ترجمة نسرين ناضر

مديرة موقع الشرق الأدنى Proche-Orient.info على الإنترنت عن «النهار» اللبنانية

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى