أروع أشكال الدعاية الانتخابية

> محمد سالم قطن:

>
محمد سالم قطن
محمد سالم قطن
بدأ المرشحون للانتخابات الرئاسية في بلادنا نزولاتهم ولقاءاتهم. المهرجانات تتوالى والملصقات بالصور والشعارات تنتشر على الحيطان. الابتسامات المستفهمة تتواصل انهماراً عليناً من كل الجهات. الموسم تتلاحق أيامه، ووفقاً للجدول الزمني فهذه الأيام هي أيام الدعاية الانتخابية. وهي في نظري، أحسن أيام الديمقراطية، وفيها من المتعة الشيء الكثير. حتى أن أحد أطفال الجيران ألح على أهله في شراء ملابس جديدة فقد ظن (الجاهل) أنها أيام عيد.

وعندما كنت أتصفح دليل الدعاية الانتخابية الذي يوزع هذه الأيام مجاناً على المراقبين والمهتمين، ذهلت كثيراً لحجم النواهي والمكروهات، حتى أن إحدى الفقرات حددت أحجام الصور التي سيجري تعليقها بالسنتيمتر، وذكرت أصناف الداعية صنفاً صنفاً، وأشارت إلى مختلف فئات (الميديا) من صحف مقروءة ونشرات مطبوعة، وتكلمت عن الإذاعة وأطوال الموجات ومقاديرها، كما حددت بالدقائق المساحة المرصودة لهؤلاء المرشحين في القناة الفضائية.

ولما أنني قد جئت على هذا الكتيب (أقصد دليل الدعاية الانتخابية) من الجلدة إلى الجلدة كما كنا قديماً نقول أيام المعلامة، أو من الغلاف إلى الغلاف، كما نكتب اليوم في صحيفتنا «الأيام» حرسها الله، فإنني أستطيع أن أحدثكم عن خلاصتين خرجت بهما بعد ساعة فلكية كاملة من القراءة المتأنية في هذا الكتيب.

أولاً: عرفت أن لدينا، في بلادنا، قدرات طباعية جيدة، أتمنى أن تسخر لخدمة الثقافة والعلوم الجادة التي تنفع الناس.

ثانياً: أخذت على القائمين على أمور الدعاية الانتخابية، أنهم غفلوا عن قياس متلازمة الكتلة والوزن في موضوع الدعاية. فالملصقات ومدة البث وأماكن ومواعيد المهرجانات، وكذلك المحتوى الدعائي لهذا أو ذاك من المرشحين، وخلو المحتوى من المهاترات والإسفافات والاتهامات والتجريح وغير ذلك، كلها أمور يمكن قياسها ومراقبتها والمحاسبة عليها. إلا أن من الدعاية الانتخابية أشياء أخرى غفل عن ذكرها هذا الدليل، على الرغم من أنها أهم الدوافع التي تحث العقلاء من الناس على المشاركة والتصويت لصالح فلان أو علان من المرشحين. والقائمون على أمر هذا الدليل معذورون كل العذر في إغفالهم لهذه المسألة فهي أصلاً وفصلاً خارج نطاق التغطية الدعائية - إن جاز التعبير- وليس بمقدورهم قياس درجة استيعابها، سلباً وإيجاباً، لدى المرشحين أو من يقوم مقامهم من أحزاب وجهات. وأقصد بهذه الأشياء، قدرة المرشح على تعيين أكفأ العناصر وأكثرهم عطاء ونفعاً للناس، فيما بعد فوزه بقبضة الصولجان. هنا بيت القصيد في قضية الحكم الرشيد، فالناس لا يتعاملون مع رئيس الدولة مباشرة، وإنما ينظرون إليه من خلال المسؤولين المعنيين بشؤونهم اليومية، فإذا صلحوا صلحت الدولة كلها. فمحافظو المحافظات هم مرآة الرئيس في نظر أهالي المحافظة، فإذا ابتسم إليهم المحافظ فمعنى ذلك عندهم أن رئيس دولتهم يبتسم لشعبه، وإذا أنصف المحافظ المظلومين في محافظته وتابع مشاريع محافظته ووسائل تنميتها فمعنى ذلك عندهم أن الدولة منصفة والرئيس يحب الإنصاف ويدعم المشاريع ويحقق التنمية.

عندنا في حضرموت، اكتسب المحافظ عبدالقادر علي هلال، منذ العام الأول لتعيينه فيها إعجاب البسطاء والطيبين من الناس فقد جاء إلينا بعد سنوات توجس فيها أهالي هذه المحافظة العريقة من انفعالات ومزايدات بعض من ركبوا موجة ما حدث في صيف 1994م. كانت تلك السنوات عابسة يابسة، اختلطت فيها الأوراق، واقتربت فيها شؤون البلاد والعباد من حالة الشيري بيري، وكادت حضرموت يومذاك أن تتصل ببرنامج (ما يطلبه المستمعون) لتطلب أغنية سيدة الغناء العربي الراحلة أم كلثوم (أروح لمين وأقول يا مين)!!

فرجت الأمور رويداً رويداً وأتى المحافظ هلال بقلب سليم وابتسامة مشرقة. القلب السليم بدد جهالات المزايدين ممن اعتادوا النفاق والتلون في المنعطفات، وابتسامة المحافظ المشرقة ملأت المكان، واسى من يستحق المواساة وأعان من يحتاج إلى العون وأنصف كثيراً من المظلومين، ذهب إلى الأطفال في رياضهم وإلى الشباب في ملاعبهم وإلى الشيوخ في مجالسهم، لم يسأل أحداً ممن لجأ إليه عن لون بطاقته الحزبية. الانجازات العمرانية التي تحققت تحت إشرافه تتحدث عن نفسها بنفسها ويتناقل أخبارها الركبان في كل الأقطار والأسفار . كان ومازال دينامو الفعاليات وإطفائية المنازعات، يحترمه الفرقاء ويخرس عنده المزايدون. تضيق المساحة المتاحة على هذه الصفحة من «الأيام» وعجلة المطبعة توشك أن تدور، ودليل الدعاية الانتخابية لا يفطن أن للدعاية أشكالاً أروع مما حصر، فالملصقات يمكن أن تتلف والمهرجانات توشك أن تكتمل والوعود يمكن أن تتبخر. لكن الحقيقة يجب أن تقال، والكِبر هو غمط الحق، والإنصاف سيد الأخلاق، والتجربة أكبر برهان.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى