نحو «الحكم المجلسي»... مخرجًا دستوريًا ؟

> غسان تويني:

> لا نعرف اذا كان هذا ما اراده الرئيس نبيه بري، أم أن ثمة ديناميكية برلمانية تسير بالمؤسسات في اتجاه يغلّبها على أزمة الحكم التي أنجبها التجديد القسري للرئيس اميل لحود، ورفضه الاستقالة!...

ليس مهماً ان نعرف، ولكن المهم اننا على مسارٍ مبتكر نتجاوز به شبه الطلاق بين رئاسة الجمهورية والحكومة التي يرئس رئيس الجمهورية مجلس وزرائها كلما حضر... من غير ان يمنعه ذلك من تحويل رئاسة الجمهورية منبراً اعلامياً للتحريض على تطرّفٍ يذهب باستمرار، ومن دون كلل ولا ملل، أبعد مما يريد "المتطرفون"... وهم لا يبالون!

ويتكرّس بعد الاعتصام النيابي التصاق الحكومة بأكثريتها التعددية وبسائر الكتل البرلمانية على نحوٍ يجعل الوحدة الوطنية لمجلس النواب بديلاً من السعي المستحيل الى "حكومة وحدة وطنية" كانت تكون اقتراحاً مقبولاً في إطار الأزمة المصيرية التي يجتازها لبنان، لو لم تتغلب طبيعة المجتمع السياسي على الأزمة وتفرض "الوحدة الوطنية" انطلاقاً من القاعدة الشعبية صعوداً إلى السلطة التنفيذية، من غير ان يقوى المنبر الاعلامي الرئاسي على تعطيل التواصل الدستوري والفاعلية الدستورية التعددية - بل "التنوعية" (والكلمة للسيد حسن نصر الله) - بين جميع المكوّنات اللبنانية، من "المقاومة الاسلامية" وصولاً الى أقصى صفوف مترقبي حلول زمن الحساب والمحاسبة.

كل ذلك في ظاهرة فذّة فريدة هي تكامل أعمال الحكم، من نشر الجيش الى استنهاض الهمة العربية والدولية للمساعدة في إعادة التعمير مروراً باطلاق النشاطات الاقتصادية ورعايتها... بما فيها المبادرات الفردية في المجتمع المدني والسياسي والاقتصادي للنيابة عن الخزانة المفلسة في تمويل اشغال كبرى على نحوٍ سجّل فيه لبنان امثولات في التصميم على الحياة والتغلّب على الارهاب القتّال وعلى تيارات التيئيس والكفر بالوطن.

ويشعر اللبنانيون كمواطنين كم هو أطيب، طعم لبنان المجدد الذي ساهم الناس كلهم في اعادته الى الحياة على رغم ما كان يبدو حكم اعدام دولياً أصدره كبار في حق الوطن الصغير المتحدي كل تعصّب وارهاب.

***

وأبرز ما في ظاهرة ما يسمّى في لغة القانون الدستوري - ولو استثناءً - "الحكم المجلسي"، أبرز ما في الظاهرة:

أولاً: الامتداد الديبلوماسي على صعيدي العلاقات الانتر-برلمانية، ثم البرلمانية - الحكومية، وفي تناغم وتكامل كلّي بين السلطتين الاشتراعية والتنفيذية... ولا زغل ولا "زعل".

ثانياً: استظلال "الحكم المجلسي" الشرعية الدولية، استطراداً من اشراك الأمم المتحدة لرئاسة مجلس النواب في مبادراتها، بما فيها تلك الهادفة الى فكّ الحصار عن لبنان، مما حلّل لمجلس النواب ورئيسه تعهد هذا المطلب، "التحريري" بامتياز، اذاً المتصل مباشرة بمسؤولية السيادة التي يعهد الدستور الى مجلس النواب في حراستها.

ثالثاً: ان يكون رئيس الحكومة قد اختار اعلان احتمال زيارته لسوريا على عتبة مجلس النواب، مما يشكل في حدّ ذاته بشرى بقرب الوصول الى فك الحصار السوري (ولو السياسي) عن لبنان، فيسقط هكذا تكامل الحصارين الذي كان ظاهرة مكربة لتحالف موضوعي محتمل بين "الشقيق" والعدو.

***

وأهمية هذه النقطة بالذات انها قد تصير بداية الطريق الى "تطبيع" العلاقات العضوية بين سوريا ولبنان، بدل ان يظل الأمر رهين التعقيد الدستوري "الطائف" الذي كان يكرسح الحكم اللبناني في أزمة دستورية دائمة بين السلطتين التنفيذية والاشتراعية إلى أن... إلى أن تتدخل دمشق، حاملة اختام "التوفيق" ومفاتيح التحكيم، و"الحلحلة"!

وتكتمل فرحة "الحكم المجلسي" اذا نال الرئيس السنيورة قبيل او بعيد زيارته العتيدة لدمشق - بشهادة مراقبات زواريب الحدود - وقف تسرّب ولا نقول تسريب السيارات المفخخة والتصريحات المفخخة كذلك، المطالِبة بحكومة "وحدة وطنية" تزول اذذاك الحاجة المعلنة اليها في انتظار تأكد الاقلاع الشامي عن بلوغ هدفها السرّي الذي هو عرقلة اكتمال التحقيق الدولي ومنع تأليف المحكمة الدولية... لأسباب نفضّل جهلها!!!

وتتآلف اذذاك بيروت ودمشق في المطالبة بالأعظم، ألا هو محاكمة اسرائيل بجرائم الحرب ضد الانسانية التي لا يعود مهمّاً ان نعرف مَن المنتصر معها وأين يوظّف المنتصر انتصاره... اذ تكون موجة التوحيد الوطني في ظل الانتصار على اسرائيل قد وحّدت اللبنانيين شعبياً، ووحّدت الحكم برلمانياً، فلا يبقى ثمة موضع لحملات مسعورة - أياً كان مصدرها - ظاهرها الدعوة الى التآلف وباطنها الذي يكون قد بُقر هو الرجوع الى محاربة بين اللبنانيين كان رد اللبنانيين على الدعوات الخبيثة ولو خجولة اليها صارخاً في الاعتصام الاجماعي في مجلس النواب.

وتستمر مسيرة التحرير، ومشتركة، الى الجولان، ولكن في سلام... لأن زمن الحروب التي تزيل وطناً يرفض الموت، أو تمنحه هدية أو مكافأة للغير... هذا الزمن يكون قد ولّى... وأكل عليه دهر الديموقراطية اللبنانية وشرب... واستراح نائماً في مجلس النواب!

عن الزميلة «النهار» اللبنانية

4 سبتمبر 2006

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى