أنصفه الرئيس علي باكثير اليمني الذي أبدع في مصر

> فاروق لقمان:

>
فاروق لقمان
فاروق لقمان
آخر مرة التقيت فيها الأستاذ الأديب علي أحمد باكثير كانت في مكتب السيد سالم الكاف في شارع أبان بكريتر عام 1968 خلال زيارته للوطن. لم أكن أعرف أنها ستكون زيارة الوداع. فقد كان الأستاذ من أشهر أدباء اليمن في القرن الماضي، تغرب أكثر من نصف عمره في مصر حيث درس وتزوج وتجنس وألف بعض أفضل المسرحيات والروايات رغم الحرب الشعواء التي واجهها من قبل الماركسيين ومن لف لفهم خلال النصف الثاني من القرن.

سلمت عليه بحرارة وشوق إذ كان علماً مشهوداً بحد ذاته وصديقاً حميماً لوالدي محمد علي لقمان، رحمة الله عليه، الذي حثه خلال إقامته بعدن على الالتحاق بجامعة مصرية لدراسة اللغة الإنكليزية وآدابها. وأشار باكثير إلى ذلك في كتاباته ورسائله العديدة للوالد وترك ديواناً من الشعر سماه (عدنيات) أشاد في بعض قصائده بالوالد الذي كان يزوره في القاهرة بين الحين والآخر ويعلق في جريدة «فتاة الجزيرة» على مسرحياته ورواياته وقصائده.

إلا أنني لاحظت على الأستاذ علي مسحة من الحزن عزوتها خطأ إلى وعثاء السفر في حينها، مع أنها كانت تلازمه طيلة حياته في مصر التي جحده أدباؤها ومنهم زملاؤه كما جاء في حكايات الأديب المصري وديع فلسطين في كتابة القيم(أعلام عصره). ولولا جهود الأستاذ الدكتور أبوبكر حميد المقيم في المملكة الذي درس وبحث تاريخ ونتائج باكثير لربما اندثرت أعمال هذا الأديب المرموق.

المشكلة نشبت لأن باكثير كان إسلامي النزعة في خضم الهجمة الماركسية خصوصاً بعد ثورة 1952 . وهذه حكاية أخرى عالجها الدكتور حميد في كثير من مقالاته وسيرة باكثير التي يحضرها للنشر في المستقبل القريب.

لذلك أسعدني اهتمام الرئيس القائد علي عبدالله صالح بالمحاضرة التي ألقاها الدكتور عن باكثير في حضرموت وإبداعاته وتبشيره بالوحدة اليمنية ودعوته إليها قبل تحقيقها بأكثر من أربعين عاماً. وذكر لي الأستاذ الحميد أن فخامة الرئيس وجه محافظ حضرموت الأستاذ عبدالقادر علي هلال بشراء منزل باكثير في سيئون وتحويله إلى مركز ثقافي، وهو ما تم بالفعل بفضل متابعة الرئيس وتنفيذ المحافظ. وبعد ذلك تبرع المهندس السعودي الشيخ عبدالله أحمد بقشان بشراء مكتبة باكثير الخاصة ومقتنياته الشخصية، وقد أنجز الحميد المهمة في القاهرة وينتظر اكتمال ترميم بيت باكثير ليتم نقلها إليه بعدما حقق الرئيس علي عبدالله صالح حلم الأديب اليمني الكبير بالوحدة التي أبدعت يمناً أكبر مساحة وسكاناً من أي دولة يمنية سبقتها خلال أربعة آلاف عام.

قال عنه الأستاذ وديع فلسطين (ص 61): «كان علي أحمد باكثير يسبح ضد التيار، أو على الأصح أنه كان يفتقر إلى الحس الذي يجعله يتوخى المسايرة والملاينة وتفصيل آثاره وفقاً (للموضة) السائدة، ففي الوقت الذي كانت تطغى فيه العقائد المادية الاشتراكية طغيانا عاصفاً، كان باكثير يؤلف روايات عن (القرامطة) و(حبل الغسيل) وغيرهما استخفافا منه بهذه العقائد بجبروتها المخيف. وفي الوقت الذي كان حكم الفرد هو الظاهرة الصارخة في الوطن العربي، كان باكثير يؤلف مسرحية عن (الزعيم الأوحد) عبدالكريم قاسم بكل انعكاساتها وإسقاطاتها على النظم الفاشية القائمة هنا وهناك. وقد أفضى به هذا المنهج إلى استبعاده من الأنشطة المسرحية، مع استثناءات قليلة كمسرحية (مسمار جحا) التي مُثلت في حينها وكانت تنطوي في قالب فكاهي على سخرية مريرة من الاحتلال البريطاني لمصر».

بالرغم من كل الصعوبات التي واجهها ومقاومة التيارات اليسارية وربما العنصرية أيضاً أصدر باكثير العديد من الأعمال الرائعة منها (في بلاد الأحقاف) و(اخناتون ونفرتيتي) و(الفرعون الموعود) وهما من الأدب الفرعوني و(سلامة القس) و(واإسلاماه) و(سر الحاكم بأمر الله) و(الثائر الأحمر حمدان قرمط) و(قصر الهودج) وهي من التراث الإسلامي، وتنوعت آثاره في موضوعاتها مثل (ليلة النهر) و(روميو وجولييت) و(الدكتور حازم) و(مأساة أوديب) و(السلسلة والغفران) و(إبراهيم باشا) و(جلفدان هانم) و(دار ابن لقمان) و(قطط وفيران) و(شيلوك الجديد) و(سر شهرزاد) و(إله إسرائيل) و(شعب الله المختار) و(مسمار جحا) و(الزعيم الأوحد) و(عودة الفردوس) وغيرها، فضلاً عن نشره كتاباً يحوي سيرته الذاتية عنوانه (فن المسرحية من خلال تجاربي الشخصية) .

وقد أحسن الصديق الحميد صنعاً بتكريس الكثير من الوقت والجهد في البحث عن أعمال باكثير والعناية بإبداعاته وإعطائها حقها من التقدير بعدما كاد الناس أن ينسوه وتتوقف دور النشر عن إصدار أو إعادة إصدار مؤلفاته. لهذا فإن القرار الرئاسي بتحويل منزله في تريم إلى متحف ومكتبة سيحيي تراث الرجل الذي ترك وطنه ليجد آفاقاً أوسع للتعبير عن عبقرياته في مصر وعن طريقها إلى بقية أنحاء العالم العربي ومنها بالطبع وطنه الأصلي.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى