المواجهة مع الذات

> أحمد عمر بن فريد:

>
أحمد عمر بن فريد
أحمد عمر بن فريد
تخطئ كثيراً أحزاب المعارضة في تفسيرها وتبريرها لأفعال أجهزة السلطة المتخصصة في بعثرة صفوفها و(استنساخ) أشباهها، وتنصيب قيادات (كرتونية) على رأس تلك (النسخ المقلدة)، إن هي اعتقدت أن ما تفعله تلك الأجهزة إنما هو نتيجة لقدراتها التخريبية الخارقة للعادة، أو نتيجة لما تملكه من موارد مالية تذهب إلى جيوب أبطال الفساد والإفساد السياسي من المال العام..! تخطئ كثيراً إن هي اختصرت ما يحدث لها من متاعب ومصاعب في مثل هذا السبب الوحيد القاصر، على اعتبار أن الحقيقة (الصريحة) تملك أبعاداً أخرى خلاف البعد التخريبي الرسمي.. أبعاداً داخلية (ذاتية).. تساهم بشكل فاعل فيما يحصل لها من تشوهات وعراقيل ومتاعب جمة مع الأجهزة الموكل إليها تنفيذ مثل تلك السياسات، غير المحترمة في حقها وحق تاريخها وتوجهاتها الوطنية.

على هذا الأساس.. يستوجب على أحزاب المعارضة التي تعرضت لمثل عمليات السطو تلك، أن تراجع حساباتها الداخلية الخاصة بملفات (المؤسسية الحزبية) و(الممارسة الديمقراطية) الحقيقية داخل أطرها المفككة، وهيئاتها المترهلة، وعناصرها المعرضة بشدة لعمليات الابتزاز السياسي الرخيص من قبل هذه الجهة أو تلك، وستكتشف في لحظة المكاشفة مع الذات والمواجهة الشجاعة مع الحقيقة أياً كانت مكوناتها وبشاعتها، أن كياناتها تلك باتت أبعد ما تكون عن صفات المؤسسية الحزبية، وأبعد ما تكون أيضاً عن ملامسة الديمقراطية حتى على مستوى التعامل الداخلي مع مختلف القضايا المصيرية التي تخص مسيرة ودور هذه الأحزاب.

في لحظة المكاشفة مع الذات.. ستتعرف قيادات هذه الأحزاب على حقيقة كبيرة وواضحة تقول، إنها تكثر من الحديث عن الديمقراطية، وتقل من ممارسة الفعل الديمقراطي، وإنها تكثر من الحديث عن المؤسسية والشفافية والخضوع لرأي الأغلبية، ولكنها (عملياً) أبعد ما تكون عن مثل تلك القيم والمتطلبات العصرية للعمل الحزبي الحقيقي.. بل إن الحقيقة ستجبرها وتجرها - حتما - إلى الاعتراف بحقيقة أنها تتعامل في داخل أطرها بكثير من (الديكتاتورية) وقليل من الديمقراطية، وأنها أقرب ما تكون في نظرتها إلى أعضاء حزبها والمطلوب منهم، إلى منطق حالك السواد لا يرى فيهم سوى مجرد فرقة موسيقية من شأنها (فقط) أن تعزف اللحن المطلوب، والمكتوب لها بوضوح تام على صفحات (النوتة) الموسيقية، بكل مهنية وانتظام، لأن في مثل العمل ما يمكن أن يطلق عليه برضا تام (من قبلهم): انضباط حزبي!! وكأنما الانضباط الحزبي لا تكتمل عناصره إلا بكلمات وأفعال الولاء والطاعة والعزف المنتظم.

ولو قررت هذه القيادات الحزبية أن تخضع للمساءلة الحزبية الحقة، لهالها بعدها عن لب العمل الديمقراطي، ولصدمها ما تحدثه - بقراراتها (المتسرعة) غير المدروسة - من دمار في نفسيات ومعنويات أعضائها الكثر، وهي قرارات مكلفة كثيراً ومتعبة كثيراً، والتي ما أن تصبح وتكون أمراً واقعاً حتى تستوجب على هذا الحزب أو ذاك دفع فواتير كثيرة باهظة الثمن من جيوب الثبات في وجه العبث والفساد العام على مستوى الوطن.

لو تلمست هذه القيادات الوضع النفسي لقيادتها، لهالها حجم الضغوط المتراكمة في نفسيات أعضائها، ومدى رزوحها تحت وطأة (التهميش) و(الإلغاء) و(التجاهل) ولربما استعجبت واستغربت من كمية الصبر الهائلة التي تختزنها قياداتها داخل (كياناتها الإنسانية) لكي تبقيها على وتيرة هادئة ومسالمة، لأن مسألة الاستغناء عن هذا الصبر، والتحول إلى مسارات العمل الحزبي الديمقراطي، يجعل منها في نظر هذه القيادات عناصر (متمردة)، (نزقة)، (متهورة) و(عاطفية)، لا تعلم للحكمة طريقاً، ولا لبعد النظر مساراً!

المدمن على فعل شيء ما ..لا يعترف ولا يود حتى أن يعترف بفداحة وخسارة ما تنتجه سلوكياته داخل هذا الحزب أو ذاك من تصرفات وقرارات مكلفة.. قرارات تنبئ للقاصي والداني أنها ليست سوى تخريجات (غرف مغلقة) و(هواتف ساخنة) لا علاقة لها بأي حال من الأحوال بالأطر والهيئات الحزبية التي توجد على مقاعدها عشرات القيادات السياسية الحكيمة (المحترمة) التي تتحول بفعل ذلك النهج إلى مجرد كراسي أخرى متحركة!! وربما أن الكثير من مقومات (الحياء والخجل) العربي المفطور في شخصية الإنسان العربي، تمنع مثل هذه القيادات من المساءلة عن حقها في الوجود وعن حقها المستباح من الكرامة الحزبية المهدرة بفعل إرادة قيادية لا مبالية بوجود الآخرين ولا بعقلياتهم، وفي المقابل تزداد تلك القيادات بعداً عن مواجهة الحقيقة المرة بفعل (التطبيل) و(التزمير) المستمر الذي يصم الآذان ويرفع من مرتبة الغرور ويذكي بذور الديكتاتورية لدى الغير، وهي أفعال مألوفة يقوم بها محترفون متخصصون.. بكل مهنية واقتدار.

يحصل كل ذلك.. في أحزاب تنتقد الحزب الحاكم ليل نهار، وتنتقد فساد أجهزة السلطة ووزارات الحكومة مع كل إشراقة شمس وغروبها.. بينما لا يتطلب الأمر منها سوى التفاتة حقيقية إلى ذاتها لتكتشف أنها نسخة طبق الأصل.

يحتار المثقف أمام هذا السيل الجارف من التناقضات التي يقحم ذاته فيها بلا إرادة وبلا ذنب، ويحتار أكثر حينما يرمي بيوت الآخرين بالحجارة، ليجد أن منزله الذي ظن أنه متين ومتماسك ليس سوى بيت من (زجاج) وأنه لا يحتاج إلا إلى حصاة صغيرة يمكن أن يقذف بها أي (نزق رسمي) حتى ينهار بالكامل أمام ناظريه في لحظة واحدة، وما هي إلا لحظات أخرى، حتى يجد نفسه بلا مأوى سياسي، وبلا رصيد منطقي يمكنه من المحاججة والمقارعة أمام محترفي (الزندقة السياسية) من الممسكين بتلابيب الأمة ومصير الوطن.

[email protected]

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى