نصائح نبوية (2)

> «الأيام» علي بن عبدالله الضمبري:

> قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب ولا يجهل فإن سابّه أحد أو شاتمه فليقل:إني صائم».

هذه نصيحة عبادية تربوية في غاية العمق والصدق واليقين، يقدمها المعلم الأعظم محمد صلى الله عليه وسلم لكافة المؤمنين والمؤمنات يوجههم عبر مسارها المستقيم إلى مدارج الخلق القويم السليم.. إنها تشير إلى أن الصوم ليس مجرد امتناع إجباري قسري قهري عن الطعام والشراب والشهوة، بل هو اقتناع بقيمة العبادة وهدفها العلوي، وغايتها السامية.

إن الصوم يشكل حالة حيوية بيولوجية تحرك فينا مشاعر وأحاسيس نفسية سيكولوجية تعمل على تعزيز القناعات الإيجابية، لترسيخ منظومة متكاملة من القيم الحضارية العليا المستندة على الكتاب العظيم والسنة المطهرة.

وهذا الحديث يومئ إلى تجنب (الرفث) وهو فحش القول وقبيح الكلام بشكل عام، وإلى الابتعاد عن (الصخب) والضجيج وارتفاع الأصوات، وهيشات الأسواق، والتجافي عن اللغط الذي يؤدي إلى الغلط، من أجل تقليل وتقليص الضجيج المزعج الذي يمزق الهدوء الجميل، ويعمل على تلويث البيئة الصامتة الساكنة بالزعيق والنعيق!!

كما تدعو هذه النصيحة النبوية إلى تحري التصرف العقلاني الواعي المتزن المنزّه عن النزق والطيش والاندفاع والتهور، بما يجسّده كل ذلك من فظاظة وغلظة وخشونة، وسب وشتم وتجريح وغيبة ونميمة وكذب وزور وبهتان ينبغي على كل مسلمة ومسلمة أن يتبرأا منها وينأيا عنها.

والأجمل من ذلك هو (ضبط النفس) و(كظم الغيظ) و(السيطرة على الأعصاب) حتى ولو تعرض الصائم أو الصائمة لسباب بذيء أو كلام رديء فإنهما لا يردان على البذاءة، ولا يلتفتان إلى الرداءة، بل يسموان ويعلوان عن الدنايا، ويدفعان السيئة بالحسنة لقوله تعالى: {ولا تستوى الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم، ولا يلقاها إلا الذين صبروا} (فصلت 35).. ويقول جل في علاه {ادفع بالتي هي أحسن السيئة} (المؤمنون 96).

فإذا كان الشاتم أو الصاخب يقول التي هي أخشن، فإن الصائم يجب عليه أن يقول التي هي أحسن، التزاماً بقول ربه ومولاه {وقولوا للناس حسنا} (البقرة 83).

وبالتعمق والتأمل في المضمون التربوي والاجتماعي والنفسي والأخلاقي لعبادة الصيام يستطيع كل مسلم ومسلمة أن يدركا كنه أسرار الصيام، وأن يستفيدا من كنوزه المذخورة، وأن يستزيدا من أنواره الهادية في تغيير العادات القبيحة إلى سلوكيات حضارية راقية تنشر الكلمة الطيبة، وترسخ التصرف الواعي وتشيع الأخلاق الإسلامية مثل حسن الكلام وطيب الخطاب، ورقة القول، وسماحة المعاملة، ورجاحة التصرف بعيداً عن وقاحة الألفاظ، وسماجة التعبير، ولجاجة الجدال، وسذاجة الأطفال.

إذن ليبذر كل واحد منا كلمة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكُُلها كل حين بإذن ربها .. أو ليصمت .. وليبذل كل جهوده ليقول التي هي أحسن.. وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله الطاهرين.

مدرس بكلية التربية - جامعة عدن

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى