ماذا بعد الانتخابات الرئاسية والمحلية؟أعراض الرفض السلمية

> علي هيثم الغريب:

>
علي هيثم الغريب
علي هيثم الغريب
تمر اليمن اليوم، بأيام جميلة رغم أنها عصيبة، وأعتقد بأن متاعبها، التي انبثقت إلى حد كبير في ماضينا قريب العهد، لا تزال ماثلة حتى في أيام الحشود الانتخابية، الرئاسية والمحلية. ويخيل للمواطن اليمني أن المسائل الوطنية المؤلمة - القضية الجنوبية بخاصة - قد ظهرت عندما ظهر خطاب التغيير من قبل أحزاب اللقاء المشترك، لكن خطاب التغيير لم يكن إلا حجة وذريعة لا صلة له بالسبب الحقيقي، فضلاً عن أنه ليس أحد الأسباب الرئيسة. ويبدو لي أن سبب ذلك ينحصر في مسألة أخرى لا تقل أهمية عن عامل الإصلاح بل ربما كانت أهم منه ولكن حسناً فلنقل إننا غيرنا شكل النظام السياسي (افتراضاً) فما الذي سيحل محله في الفراغ المتكون؟ نظام برلماني؟ حسناً فليكن نظاماً برلمانيا، لكن من الذي سيدير البلد؟! لقد طردنا الاستعمار من الجنوب والحكم الامامي من الشمال، وألغينا الأنظمة القديمة، ولكن هل طردنا التخلف والعصبية من ذاتنا؟!، بل بالعكس خلقنا عبودية جديدة، كانت أكثر منها وحشية ثم جاءت الوحدة ولحقتها حرب قاسية، وانعدمت الحقوق من جديد في محافظات الجنوب، حيث ساد السلب والنهب وازدهرت مراتب المتنفذين وتشعب الفساد تشعباً واسعاً، واستُبدل بـ «القادة الحُمر» الذين رفضوا توزيع الأراضي على أبناء الجنوب «متنفذاً شرعياً» سوّر الأراضي والمزارع ومن عليها ولم يسمح بتسلل أي مواطن آخر إلى ضيعته.

إذن بإمكان الإنسان أن يطالب بتغيير النظام السياسي، لكن هل بذلك يصبح حراً؟ وهل القوى التي تطالب بذلك، هي مؤهلة لقيادة الوطن؟! لقد تراكم على عصفات اليمن في كل الأعوام الماضية رد فعل السنين الطويلة التي قضيناها بتبديل الأفراد، ولم يُترك لها وقت لاكتساب خبرة الحياة الديمقراطية فصنعت اليمن قوى متخاصمة حد الثمالة، ولم تصنع مواطنين.. لذا اعتقد أن اليمن لم تنعطف نحو طريق الديمقراطية إلا في وقتنا الحاضر، وهو انعطاف بحاجة الى تدعيم حيث أصبح الاختيار قاطعاً وإن كانت السلبيات غير مستثناة، بيد أن أبناء محافظات الجنوب وإن كانوا يدركون وجود انتخابات وصحافة وهي حقوق لأول مرة يشعرون بها، لكنهم مستاؤون جداً، ففي أعماقهم الوجل والاضطراب والكآبة، والدليل على ذلك نسبة مشاركتهم في الانتخابات التي لم تتجاوز الحد القانوني (50+1%) فهل يمكن تلمس ما هو مذموم في التدابير المحددة والمعالجات التي اتخذتها الحكومة في محافظات الجنوب، بعد أن أقلقها خطر محو حقوق أبنائها؟ وما هو الموقف الذي يجب أن يقفه فخامة الأخ رئيس الجمهورية بعد فوزه الساحق في محافظات الشمال وفوزه النسبي في محافظات الجنوب، خاصة وأن الجنوبيين رفضوا أن يبدلوا برئيسهم شخصا آخر. أليس من الأجدى محاولة فهم مشاغل أبناء محافظات الجنوب النابعة من خاصياتهم الواقعية، إذا لم نقل تبنيها؟ وهل بوسع سلطات الدولة أن تنفذ مطالب وحقوق المواطنين الذين تمثلهم؟ ولا ننكر أنه يزداد عدد الناس الذين يدركون ضرورة مساعدة أبناء محافظات الجنوب في استعادة حقوقهم ورفض تخطيط أراضيهم ومساعدة الأخ الرئيس علي عبدالله صالح بصورة خاصة.

وعندما نرفض تخطيط أراضيهم هذا لأن المواطن في محافظات الجنوب لا ينال الآن أكثر من أرضية واحدة (بقعة مخططة) علاوة على توقيفه عن العمل، حيث إن الاغلبية من الموظفين يتسلّمون راتب عام 1990م، والتوظيف الجديد خاضع لنسبة عدد السكان، أي أن كل محافظات الجنوب سيكون نصيبها من التوظيف السنوي على مستوى الجمهورية 7% فقط. وفوق ذلك فإن الإحصاءات تدل على أن اليمن من أكثر بلدان العالم تناسلاً، وأن عدد سكانها يتضاعف كل خمسين سنة.

فكيف يمكن تربية وتغذية وتعليم أبنائنا بدون المبادرة بمعالجة آثار حرب 94م وتوسيع رقعة الملكية من الأراضي لأبناء محافظات الجنوب باعتبارهم المالكين الأصليين للأراضي؟. لذا فإن فخامة الأخ الرئيس حتى وإن كان يعيش هذا الوضع المعقد فهو يستطيع تلبية مطالب أبناء محافظات الجنوب فهو الوحيد الذي يقدر الوضع تقديراً واقعياً ويبدي ما يلزم من حذر.. هذه المعالجات المطلوبة من قبل فخامة الأخ الرئيس علي عبدالله صالح حتماً ستتلازم مع النجاح الانتخابي الذي يجري في بلادنا بطريقة جديدة، وينفذ الأخ الرئيس خطوات من أجل تقوية الديمقراطية وحقوق الإنسان وحرية الصحافة، وفي سبيل الضمان الأكمل للنظام الذي يكفل فوز الناس اللائقين في الانتخابات، وعلينا ألا نعارض طرح أكثر المسائل حدة، ولا نخاف الجدال المنفعل، لكن بشرط أن يهدف لحل المشاكل لا لتعقيدها.. وأن نثق أن تنوع الأحكام عن الوضع السياسي الراهن في بلادنا يعكس مدى إيجاد الحلول لما فيه من تناقضات طبيعية، فالأحداث تدور بسرعة لدرجة أن ما من «لقطة» تستطيع أن تعبر عن واقع ما يجري، لكن من البديهي تماماً أن الإصلاح السياسي والاقتصادي والوحدوي توقف بعد الانتخابات الرئاسية والمحلية الحالية عن أن يكون نهجاً نازلاً فقط «من فوق» فقد صبت عملية التنوير الديمقراطي للمجتمع التي عمرها 16 عاماً في مجرى التحولات وحفزت النشاط السياسي المستفل لدى الناس حتى طالت أسس جبروت الفساد. وعندما تبدأ المعارضة بالبحث عن مخرج ما من الأزمة بطريقة سلمية وبدون وعيد وتهديد للحكم السابق، ومتمتعة بقدر كبير من الاعتراف بإيجابيات النظام، فبالتأكيد بثقة كبيرة أن المخرج سيكون سلمياً وفي متناول يد المعارضة المدنية، وسيكون تداول السلطة منسجماً وتطلعات رئيس الجمهورية. ونحن نعتبر انتخابات 2006م في وطننا هي «ثورة العقل السليم» ولا يمكن إضافة شيء سوى أن هذه الانتخابات هي هذا الواقع بالذات، واقع أن عقل الشاب يتقبل بصعوبة جوانب الحياة السياسية غير المعقولة التي اعتادها البالغون، ويتكيف الناس في محافظات الجنوب - الشباب خاصة- ببطء شديد مع قواعد اللعبة السياسية القائمة داخل الأحزاب وفي المجتمع، هذا الواقع هو الذي يجب أن يأخذه المسئولون بعين الاعتبار مستقبلاً. والحقيقة أن كل تجمعات الرفض التي تأسست في محافظات الجنوب كانت ضمن إطار قواعد الحياة السياسية القائمة.. فهي - أي تجمعات الرفض - لم تطالب بتغييرات في النظام السياسي بل طالبوا بما يحق لهم كمواطنين، وهو تطابق معيشتهم مع ما يمتلكونه من أرض وثروة، ويجب معالجة سبب إهمال الحكومة (السياسي) ذلك، بل ويجب النظر إلى تلك المطالب كظاهرة عادية وصحية.

ويرغمنا التاريخ أن نستفيد من تجارب الشعوب، وكيف لم تكن بعض الحكومات ولا حتى معارضوها يتوقعون حلول الساعة التي يغير الناس فيها فجأة سلوكهم، أي يرفضون مراعاة قواعد اللعبة السياسية القائمة إن كانت لا تحقق مصالحهم. ومن الطبيعي أن الناس لا يرغبون في التفكير بالأمر الأسوأ، وهم عندما يتحصلون على حقوقهم يسعون لنسيان حتى ما حصل في الماضي، وعلى حكومتنا أن تتعلم من التاريخ، فعندما حرم الحزب الاشتراكي أبناء الجنوب من حريتهم وأملاكهم وحتى قبول رفضهم الهادئ كانت ساعة الصفر له عام 90م وعام 94م. فنحن نعرف والحكومة تعرف اليوم أن التاريخ قد يعيد نفسه مرات كثيرة.. ويمكن أن تتكرر المآسي والمظالم عدة مرات، ولكن مع شديد الأسف ولسبب ما قد يكون أحياناً حتمياً لا يود أحد أن يسلم بهذه الحقيقة الواضحة التي تأكدت صحتها مئات المرات.

لهذا لا تستمع بعض الحكومات لمطالب الناس بل وتعتبر- وهي في قمة نزوها - أن مثل هذا الأمر لن يتكرر أبداً.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى