المشاركة في الانتخابات الرئاسية والمحلية.. المقدمات والنتائج

> فيصل محمد عبده العبسي:

> لقد شكلت الوحدة اليمنية في الـ22 من مايو 1990م حدتاً تاريخياً مهماً في حياة الشعب اليمني على الصعدين العربي والدولي وزاد من أهمية هذا الحدت اقتران الوحدة بالتعددية السياسية والتداول السلمي للسلطة من خلال الممارسة الديمقراطية والتي تعني بمفهومها البسيط مشاركة قطاعات واسعة من الجماهير في رسم وصنع مستقبل حياتهم السياسي والاقتصادي والاجتماعي بمختلف الأشكال والوسائل المتاحة التي يكفلها ويحددها الدستور والقوانين المنظمة لحياة المجتمع.

هذه الديمقراطية التي تم القبول بها رغم اشكاليات وتعقيدات التركيبة الاجتماعية للمجتمع. ومع كل ذلك يمكن القول إن المفاهيم مثل الديمقراطية، الحرية، التداول السلمي للسلطة.. الخ إن لم تتحول إلى شكل من أشكال الوعي الاجتماعي وتتجسد كسلوك في الممارسة فقدت قيمتها الحقيقية.

إن ما قاد إلى الحديث اليوم عن الديمقراطية هو الحدث الأبرز والمتمثل في الانتخابات الرئاسية والمحلية في الـ20 من سبتمبر 2006 والذي سبقته مراحل من الإعداد والتحضير له ووصل ذروته في الجانب السياسي بالمفهوم الضيق، وليس الواسع الذي يعني الحراك السياسي والاجتماعي مع مستوى الوطن والمواطن بمختلف فئاته وشرائحه وانتمائه السياسي، لماذا هذا القول؟ وفي هذا الوقت بالذات؟!

فمن خلال تتبعنا لمختلف مراحل العملية الانتخابية بدءاً بإنزال البرامج السياسية لكل مرشح مروراً بالمهرجان الانتخابية للمرشحين وانتهاءً بالنتائج المعلنة، ونسبة المشاركة في الانتخابات سنجد أن التفاعل مع العملية الانتخابية كان نخبوياً بحتاً تمثل بحركة التنافس والصراع بين المؤتمر الشعبي من جانب، وأحزاب اللقاء المشترك من جانب آخر، والذي حاول من خلاله كل طرف طرح، بل فرض رؤاه وبرنامجه للمرحلة المقبلة على الآخر.. ووصل هذا الصراع إلى ذروته في المهرجانات الانتخابية الرئاسية (وبغض النظر عن ما جرى في هذه المهرجانات من محاولات كل طرف الإساءة والتشهير بالآخر) هذه المهرجانات التي خيل للمشاهد وللرأي العام العربي والعالمي بأنها قمة الممارسة الديمقراطية في الوطن العربي.. وهذا ما سمعناه من تصريحات بعض الصحفيين العرب والأجانب الموفدين من مؤسساتهم الصحفية لتغطية وقائع العرس الديمقراطي في اليمن الا أنه مع الأسف لم تكن النتائج في مستوى الحدث. ولا نبالغ إذا ما قلنا بأن تلك الحشود الجماهيرية التي تم تحشيدها لحضور مهرجانات مرشحي الرئاسة لكل من المؤتمر الشعب العام وأحزاب اللقاء المشترك في مختلف محافظات الجمهورية لم تكن تمثل الوزن الحقيقي لكل مرشح، بل تجاوزته بشكل مبالغ فيه، ويرجع ذلك إلى أن كل طرف عمل لإظهار قوته بطرقه وأساليبه الخاصة، وكانت العملية أشبه باستعراض القوة، أكثر منها قياس نبض الشارع لمعرفة حجم وشعبية كل مرشح.

إن ذلك التمظهر المبالغ فيه في المهرجانات والدعاية الانتخابية أفقد الانتخابات الرئاسية والمحلية في الـ20 من سبتمبر أهم مميزاتها وهو تفاعل جمهور الناخبين بكل فئاتهم وشرائحهم وانتماءاتهم السياسية مع الحدث (العرس الديمقراطي).

ذلك ما أكدته نسبة المشاركة بالتصويت في الانتخابات الرئاسية والمحلية والمعلنة من قبل اللجنة العليا للانتخابات ونشرته الصحافة المحلية حيث بلغت نسبة المشاركة 45% ممن يحق لهم المشاركة بالتصويت في الانتخابات والمسجلين بسجلات القيد والتسجيل. هذه النسبة ماذا تعني للباحث والمثقف والسياسي بل للمواطن العادي أو عن ماذا تدل؟! ألا تدل دلالة واضحة عن مؤشر خطير على تراجع المواطن عن ممارسة حقوقه الديمقراطية؟

ألا تعبر عن ضعف في نمو الوعي الديمقراطي؟ ألم تعبر بالقدر نفسه هذه الانتخابات بهذه النسبة المعلنة للمشاركة عن أزمة الخطاب السياسي للأحزاب والتنظيمات السياسية سواءً الحزب الحاكم أم المعارضة؟

وبعض النظر عن النتائح التي أفرزتها هذه الانتخابات الرئاسية والمحلية، واتهامات المعارضة بحصول عمليات تزوير فيها فإن عزوف 55% ممن يحق لهم المشاركة والتصوت في هذه الانتخابات والمسجلين بسجلات القيد ولتسجيل يعد بمثابة موقف سياسي عفوي (غير منظم) ورسالة موجهة للمتنافسين على كرسي الرئاسة والمجالس المحلية من مختلف الاتجاهات السياسية مضمونها:

1- التعبير عن يأسهم من إمكانية حدوث تغيير في السلطة أو إحداث تحولات اقتصادية واجتماعية تمس حياتهم المباشرة.

هذا الموقف نابع من تجربة المشاركة في الانتخابات السابقة.

2- التعبير عن موقف سلبي من السياسات المتبعة للحزب الحاكم خلال الفترة السابقة لأنهم لم يلمسوا أي تحسن في المستوى المعيشي، بقدر ما ازدادت أوضاعهم سوءاً بسبب الجرعات المتتالية والتي ضاعفت من تدهور مختلف جوانب حياتهم الاقتصادية والاجتماعية.. بالإضافة إلى غياب العدالة، واستشراء الفساد في كل مفاصل جهاز الدولة.

3- التعبير عن موقف سلبي من المعارضة من أنهم الوجه الآخر للعملة المتداولة مند عام 1990 حتى اليوم قابعين في أبراجهم العاجية تفكيرهم بالسلطة، بعيدون كل البعد عن مشاكل وهموم ومعاناة المواطن اليومية.

هذا المثلت هو النتيجة وفي نفس الوقت السبب لعزوف الـ 55% من جمهور الناخبين عن المشاركة في الانتخابات الرئاسية والمحلية ويمثلون الغالبية من السكان.

ومن ذلك يمكننا القول بأن هذه الانتخابات أخفقت في تحقيق معدل عال في المشاركة من قبل الناخبين، ولم تشكل تطوراً في مسار التحولات الديمقراطية على صعيد الوعي لدى المواطن بأهمية ممارسة حقه الدستوري، بل شكلت انتكاسة وتعد مؤشراً خطيراً على مستقبل الديمقراطية في اليمن.

هذا المؤشر يقودنا إلى أن الديمقراطية قد أصبحت مفهوماً نظرياً يلوكه السياسيون والصحافة ولا نجد تأثيرها وفاعليتها في وعي الناس.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى