التلازم بين صراعين

> شلومو بن عامي:

> تميّز توجه اسرائيل في معالجة نزاعها مع جيرانها بالجمود الفكري. فلقد اتجهت اسرائيل بصورة عامة ليس نحو ايجاد مخرج سياسي للمصاعب التي تتراكم في وجهها وانما عمدت الى محاربتها موضحة للعالم الى أي حد تشكّل خطراً علينا.

هذا ما حدث عندما كانت اسرائيل آخر من ادرك ان منظمة التحرير مع كل عيوبها هي الشريك الوحيد الموجود على الارض، فطالما لم تعترف الولايات المتحدة بها، اسرائيل حذت حذوها. اليوم جاء دور "حماس"، وهذه المرة ايضاً لم تنجح محاولة طردها عسكرياً. اليوم اسرائيل واقعة تحت تأثير فكرة ضرورة وامكان اسقاط نظام البعث في دمشق. هذا النظام الذي ما زال يرفس ويلدغ منذ قيامه قبل 40 عاماً.

"العرض الايراني" هو اليوم بين الافكار الاسرائيلية الثابتة. منذ اعوام واسرائيل تنبه من الخطر الايراني وتطالب اطاحة حكم آيات الله وتعبئ المجتمع الدولي ضد تطلعات ايران النووية. ولكن يبدو ان هذه الاستراتيجية الرادعة مثلها مثل سابقاتها لم تنجح.

منذ اللحظة التي تأكد فيها ان عراق صدام حسين في طريقه لأن يصبح قوة نووية، ومنذ اصبحت باكستان نووية بدأ العد العكسي لتحول ايران قوة نووية. ولم تنجح قيود الردع الاسرائيلية كما ظهرت في حرب لبنان في المساهمة في ردع السباق الايراني النووي. ولا أمل أن يسير المجتمع الدولي وراء الولايات المتحدة في مواجهة شاملة مع نظام طهران أو أن يفرض عقوبات عليها. في العراق خسرت اميركا قدرتها على تشكيل ائتلاف دولي ولم تحصل على شرعية القيام بعملية عسكرية مستقلة. والسؤال المطروح اليوم ليس متى تصبح ايران قوة نووية، ولكن كيف يمكن حمل ايران على المشاركة في الاستقرار الاقليمي قبل حصولها على مثل هذا السلاح. ان الذي يمنع ايران من تدمير اسرائيل ارادياً يعود الى رغبتها في المحافظة على النظام وتوطيد موقعها كقوة استراتيجية اساسية في المنطقة في مواجهة اسرائيل والعالم العربي السني الذي يشكّل تحديداً العدو الطبيعي لها وليس اسرائيل. والرد على التهديد الايراني هو في انتهاج سياسة الانفراج التي من شأنها أن تغيّر نهج النخبة الايرانية.

ولكن ليس بإمكان اسرائيل وحدها ان تأخذ على عاتقها سياسة الانفراج كاستراتيجية للمواجهة مع ايران. فالمسألة تعني بالدرجة الاولى الولايات المتحدة. وللأسف الشديد اميركا جورج بوش ليست مهتمة اليوم بحل النزاعات وانما مثلها مثل اسرائيل تدير معارك ضد دول محور الشر ومنظماته.وما الذي سيحدث عندما تسقط هذه الدول؟ فلننظر الى العراق، لم يكن الشرق الاوسط منطقة خطرة وقابلة للانفجار مثلما اصبح بعد سقوط صدام حسين. فالولايات المتحدة بعد قضائها على العراق كقوة تعادل في وجه ايران تتحمل المسؤولية المباشرة للعهد الاستراتيجي لايران اليوم وللصلافة الداخلية للنظام هناك.تملك الولايات المتحدة مفتاح اعادة ايران الى مسار التفاوض والتعاون الدولي. ولكن من اجل هذا الغرض عليها اتخاذ قرارات صعبة، وعلى اسرائيل البدء بحوار مفتوح يعترف بوزن ايران الاقليمي ويساهم في جعل قادتها اكثر اعتدالاً مما قد يؤدي في نهاية الامر الى تغيير تدريجي للنظام هناك.

قد يكون التحضير للحرب بين اسرائيل وايران مسألة تناسب الطرفين. فمن الزاوية الاسرائيلية قد تبدو الحرب كخطوة استهلالية للغرب الديموقراطي في معركته ضد الارهاب الاصولي ونظام آيات الله واداة لتجنيد العالم ضد سعي ايران الى ان تصبح نووية. من زاوية ايران فالهجوم على اسرائيل واليهود هما السبيل لتعبئة العالم الاسلامي لدعم النظام الايراني وتطلعاته الاقليمية. ففي مواجهة العالم العربي ايران هي الخصم. اما في العالم الاسلامي فأحمدي نجاد يجعل من ايران في موقع الزعامة. فايران ليست فقط عدواً لاسرائيل وانما ايضاً هي عدو كل مسار مصالحة اسرائيلية - عربية يمكن في النهاية أن تسمح للعالم العربي السني توجيه كل طاقاته ضد العدو الحقيقي: ايران الشيعية وتطلعاتها نحو الهيمنة.

ان السلام الاسرائيلي - العربي والتخلص من الخطر الايراني امران متلازمان. وسيكون لسياسة الانفراج انعكاساتها البعيدة المدى على حظوظ السلام بين اسرائيل وجاراتها العربية. في الوقت عينه فان عقد مؤتمر دولي للسلام يجدد الحركة في اتجاه انهاء النزاع العربي - الاسرائيلي سوف يزيل الاساس للتوجه الحربي الايراني. لا العقوبات ولا الهجوم العسكري من شأنهما أن يبددا غيوم يوم الحساب التي تغطي المنطقة. فزوالها رهن بنزع السلاح النووي في المنـطقة كجزء من تسوية اسرائيلية - عربية شاملة.

وزير خارجية اسرائيل سابقاً.. عن «هآرتس» الاسرائيلية

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى