الدروس المستفادة (1)

> محفوظ سالم شماخ:

>
محفوظ سالم شماخ
محفوظ سالم شماخ
انتهت معارك الانتخابات.. وبدأ غبار المعركة ينقشع عن النتائج الرقمية وأكرر الرقمية.. أما النتائج ذات الأبعاد القريبة والبعيدة فهي بحاجة إلى بعض الوقت حتى تتبين، غير أن هناك دروساً مستفادة يمكن استخلاصها مما حصل حتى الآن.

فعلى مستوى جدية النهج الديمقراطي، فإن الكل مجمع على أن المسيرة الديمقراطية قد دخلت فعلاً في مضمار التنافس الديمقراطي في كثير من المناحي وقصرت عن ذلك في مناح أخرى.. فقد أفرزت المرحلة مفهوماً جديداً في التحالفات الهادفة إلى تحقيق «الأهداف المشتركة» بغض النظر عن التباينات، فعلى ساحة «المشترك» لاحظنا كيف استطاعت اليمن ولربما للمرة الأولى عالمياً جمع أقصى اليمين مع أقصى اليسار، وفي الوسط المستقلون المتحزبون «وليست الأغلبية الصامتة»، وعلى مستوى الحزب الحاكم كان الحفاظ على الحكم هو الدافع لكثير من التحالفات، كما ظهر على الساحة عناصر كان همها الأول والأخير «الوطن» فاتخذت مواقف مخالفة لانتماءاتها الحزبية من أجل ذلك.

ولكن برزت هناك حقيقة مهمة هي بدء انهيار التحالفات والعصبيات القبلية لتحل محلها رويداً رويداً التحالفات الحزبية، أي أن اليمن شهدت وستشهد قريباً بداية إرخاء قبضة القبيلة عن ناصية الحكم والتحكم في اليمن، مما سيؤدي إلى الكثير من الترسيخ لأرضية ثابتة تقوم عليها دولة المؤسسات والتي لم يكن لها وجود فاعل حتى الآن حيث تعصف بها التدخلات النفوذية وأولها نفوذ القبيلة وبعبارة أدق فإن الحاكم الحقيقي لليمن «القبيلة» بدأت على الأقل في إفساح المجال للآخرين للمشاركة في حكم اليمن ابتداء ولتغيير فسيفساء الحكم كاملة، وهذا منجز لليمن لا يقل عن منجز الولوج إلى رحاب الديمقراطية.

علاوة على ذلك هناك دروس أخرى مستفادة، منها وجوب أن تشب المعارضة عن الطوق وتبدأ بترتيب أوضاعها لممارسة العمل الحزبي وليس التحزب، وتتفق أجنحتها المختلفة على أسس يتفق عليها الجميع قولاً وفعلاً، وتترك بعيداً عن الإطار الحزبي أية مفاهيم خاصة بها في لون ونهج عقيدتها وفهمها لتلك العقيدة، وإذا هي لم تستطع فعليها ترك الإطار الحزبي وتفردها بحزب خاص بها يحمل مفاهيمها الخاصة بها.. أما أن تنخرط في حزب معين وهي تحمل مفاهيم مغايرة لما يجمع عليه باقي أعضاء ذلك الحزب، فلن يؤدي ذلك إلا إلى تفكك عقد ذلك الحزب عندما تدلهم الخطوب فيفقد الجميع تحقيق أي من الأهداف.. كذا وطالما هي تريد التغيير السلمي للسلطة فماذا أعدت له؟ هل لديها كوادر متخصصة قادرة على الحكم؟.. فالحكم له قواعده ومفاهيمه ومؤهلاته.. ولا يكفي لكي يحكم الإنسان أن يكون ملما باللغة ومتفقها في الدين وحاملاً مفاهيم لا يمكن أن تتلاءم مع طبيعة السواد الأعظم من المحكومين.. ولهذا فإن عليها أن تعد كوادرها وتؤهلهم للحكم.. لا يكفي مثلاً أن يكون الشخص «نزيهاً» لكي يتولى الحكم رغم أن ذلك شرط أساسي لتولى الأمانة.. لابد إذاً من صفات أخرى تشمل المقدرة الإدارية والاطلاع الواسع على متطلبات الشعب الذي سيتولاه.

كذا فإن عليها أن تمارس الحزبية الحقة بالتفاعل مع قضايا وأحاسيس الجماهير وبالأخص قواعدها قولاً وفعلاً والقنوات كلها متاحة.. التعبير بالتظاهر والتجمعات القانونية وكذا إرغام القضاء على أداء دوره مهما كان شكله ومحتواه حالياً وذلك بإرجاع كل المخالفات التي يرتكبها الحاكمون إلى القضاء.. والتركيز عليها وليأت حكم القضاء بما يأتي فلا ضير في ذلك فالإلحاح سيؤدي إلى المسار الصحيح للقضاء، بل لا أغالي إذا قلت إن على المعارضة وقد حصلت على ما يقارب خمس أصوات الناخبين أن تشكل «حكومة الظل»، وعلى الحزب الحاكم أن يتقبل ذلك بروح رياضية وأن يقبل إطلاع الوزراء المعنيين على مجريات الأمور في وزاراتهم لإخوانهم في حكومة الظل، لا بغرض الاشتراك في الحكم بل بغرض الفهم لمجريات الأمور ولربما أخذ رأي إخوانهم في حكومة الظل في بعض القضايا بغرض توحيد الجهود لتنفيذ بعض الأمور ذات الصالح العام.

أما ما هو مطلوب من الحزب الحاكم فكثير الكثير، لأنه قبل تحمل المسؤولية المباشرة للحكم ولا بد أن يكون في مستوى تلك المسؤولية قولاً وفعلاً، شكلا ومضموناً، وسوف أتناول ذلك في مقال آخر.. وبالله التوفيق.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى