مقتطفات من فضائل وفوائد قيام الليل

> «الأيام» جمال محمد الدوبحي:

> لقد كان الليل في زمن مضى ميدان سباق، ومضمار صدق وجد ومثابرة، لا ترى فيه إلا قلوباً تعلقت بالرحيم الغفار، وألسنة تلهج بالتوبة والدعاء والحمد والاستغفار، ونفوساً فرحة بالتلاوة والتسبيح في خضوع وخشوع، ومتألقة بالتهجد في تضرع وانكسار، ومقلاً أحرقها التفريط فأرسلت أحر الدموع، علموا أن ربهم ينزل إلى السماء الدنيا كل ليلة حين يبقى ثلث الليل فإذا بهم يرفعون أكف الضراعة قد تعددت مقاصدهم واختلفت مطالبهم وتنوعت غاياتهم، فواحد يسأل العفو عن زلته، وآخر يسأل التوفيق لطاعته، وثالث يستعيذ به من عقوبته، ورابع يرجو منه جميل مثوبته، وخامس تلذذ بمناجاته، فأنعم عليهم- مولاهم- فأعطاهم واستخلصهم واصطفاهم:

لله قوم أخلصوا في حبه

فرضى بهم واختصهم خدامًا

قوم إذا جنّ الظلام عليهم

باتوا هنالك سجدا وقياما

إنهم عباد الرحمن يبيتون لربهم سجدا وقياما، انتزعوا نفوسهم من وثير الفرش، وهدوء المساكن، وسكون الليل، واكتفوا من الليل بيسير النوم، وآثروا الأنس بالله، والرجاء في وعد الله، والخوف من وعيده كما قال تعلى:{تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا ومما رزقناهم ينفقون} السجدة: 16.

وكيف لا يقيمون الليل وقد كان سيدهم وقدوتهم صلى الله عليه وسلم إذا جاء الليل وأرخى سدوله توجه بقلبه وجسده إلى مولاه، ينادي ويدعو ويتضرع بين يديه، حتى تتورم قدماه الشريفتان وقد كان صلى الله عليه وسلم يحث أصحابه على هذه العبادة الجليلة كما جاء في الحديث: «علكيم بقيام الليل، فإنه دأب الصالحين قبلكم»، فقيام الليل سبب في رفع الدرجات وتكفير السيئات وباب عظيم من أبواب الخير كما قال صلى الله عليه وسلم:«ألا أدلك على أبواب الخير؟ وذكر- من ذلك- صلاة الرجل من جوف الليل». وقد تضافرت نصوص من الكتاب والسنة في بيان فضيلة قيام الليل والترغيب فيها وإليك طرفا من هذه النصوص، فلعلها تؤثر فيك فتتوق نفسك إلى تلك الحياة المباركة فتلزم نفسك بقيام الليل ولو بجزء يسير منه، ومن هذه الفضائل ما جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال:«أقرب ما يكون الرب من العبد في جوف الليل الآخر، فإن استطعت أن تكون ممن يذكر الله في تلك الساعة فكن»، كما جاء في الحديث عن قول النبي صلى الله عليه وسلم: «إن في الليل ساعة لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله شيئا إلا أعطاه الله إياه، وذلك كل ليلة». ويكفيك لكي تعلم جلالة قدر هذه العبادة وفضلها أن تعلم أن المولى جل جلاله خاطب نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم بأن يتصدى لهذا الشرف العظيم، والفضل الكبير، ليظفر بالمقام المحمود، فقال سبحاته وتعالى: {ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا}. وأما فوائد القيام التي يجنيها الفرد من هذه العبادة لتربية ذاته وصلاح حاله فما أكثرها، ومن أهم ثمارها تنمية وازع الإخلاص وتحقيق المتابعة بالاقتداء بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم الذي يقوم من الليل حتى تتفطر قدماه، كما أن القيام محياة للبدن، ونور في القلب وضياء في البصر وقوة في الجوارح وجمال في الروح وحسن في الوجه حتى قيل للحسن البصري رحمه الله:«ما بال المتهجدين من أحسن الناس وجوها؟.. فقال: لأنهم خلوا بالرحمن ففاض عليهم من نوره». هذه بعض الفوائد التي تحث الهمة وتبعث القوة فتجعلك قادرا على مقاومة مغريات الحياة ومجاهدة النفس ولتعلم أخي الصائم أن رمضان فرصة سانحة لنتلقى درسا بليغا يجعلنا نتهيأ لقيام الليل ولنعد أنفسنا لمدرسة الليل في رمضان وغيره من الشهور.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى