فتح مكة .. والعفو عند المقدرة

> «الأيام» عبدالقادر بن عبدالله المحضار:

> إذا أراد الله أمرا هيأ أسبابه وأزال موانعه فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم أنه لا تذل العرب حتى تذل قريش ولا تنقاد البلاد حتى تنقاد مكة، فكان يتشوق لفتحها ولكن كان يمنعه من ذلك العهود التي أعطاها قريشاً في الحديبية وهو سيد وفي، ولكن إذا أراد الله أمرا هيأ أسبابه فقد علمت أيها القارئ أن قبيلة خزاعة دخلت في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقبيلة بكر دخلت في عهد قريش فلما حصلت الهدنة تغنى رجل من بكر بهجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم على مسمع من رجل خزاعي فقام هذا وضربه فحرك ذلك كامن الأحقاد وتذكر بنو بكر ثأرهم فشدوا العزيمة لحرب خصوصهم، واستعانوا بأوليائهم من قريش فأعانوهم سراً بالعدة والرجال، ثم توجهوا إلى خزاعة وهم آمنون فقتلوا منهم ما يربو على العشرين، ولما رأى ذلك حلفاء النبي صلى الله عليه وسلم أرسلوا منهم وفدا ليخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بما فعل بهم بنو بكر وقريش، فلما اخبروه الخبر قال: «والله لأمنعنكم مما أمنع نفسي منه»، أما قريش إنهم لما رأوا أن ما عملوه نقض للعهود ارسلوا قائدهم أبا سفيان الى المدينة ليشد العقد ويزيد في المدة، فلما وصل المدينة نزل على بنته أم المؤمنين أم حبيبة رضي الله عنها وقد أراد ان يجلس على فراش رسول الله فطوته عنه فقال: يا بنية أرغبت به عني أم رغبت بي عنه؟ فقالت: ما كان لك أن تجلس على فراش رسول الله وأنت مشرك نجس، فقال: لقد أصابك بعدي شر ثم خرج من عندها وأتى النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد وعرض عليه ما جاء له فقال له صلى الله عليه وسلم: هل كان من حدث؟ قال: لا. فقال له: «فنحن على مدتنا وصلحنا» ولم يزد عن ذلك فقام ابو سفيان ومشى إلى أكابر المهاجرين علهم يساعدونه على مقصده فلم يجد منهم معيناً وكلهم قالوا جوارنا في جوار رسول الله، فرجع الى قومه. أما رسول الله فتجهز للسفر وأمر أصحابه بذلك ثم استنفر صلى الله عليه وسلم الاعراب الذين حول المدينة فقدم جمع من قبائل أسلم وغفار ومزينة وأشجع وجهينة، وطوى صلى الله عليه وسلم الاخبار عن الجيش كيلا يشيع الأمر فتعلم قريش فتستعد للحرب والرسول صلى الله عليه وسلم لايريد ان يقيم حرباً بمكة، بل انقياد أهلها مع عدم المساس بحرمتها.

فكتب حاطب بي أبي بلتعة، احد الذين شهدوا بدراً، كتابا لقريش يخبرهم ببعض أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأرسله مع جارية لتوصله إلى قريش على عجل، فأعلم الله رسوله صلى الله عليه وسلم ذلك فأرسل في إثرها علياً والزبير والمقداد وقال « انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فان بها ظعينة معها كتاب فخذوه منها » فانطلقوا حتى أتوا الروضة فوجدوا بها المرأة فقالوا لها أخرجي الكتاب، قالت ما معي كتاب، فقالوا لتخرجن الكتاب أو لنلقين الثياب فأخرجته من عقاصها فأتوا به رسول الله،فقال صلى الله عليه وسلم: «يا حاطب ما هذا؟». قال: يا رسول الله لا تعجل علي إني كنت حليفاً لقريش ولم أكن من أنفسها وكان من معك من المهاجرين لهم قرابات يحمون أهليهم وأموالهم، فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب فيهم أن أتخذ عندهم يداً يحمون بها قرابتي ولم أفعله ارتداداً عن ديني، ولا رضاء بالكفر بعد الإسلام، فقال صلى الله عليه وسلم: «أما إنه قد صدقكم» فقال عمر: دعني يا رسول الله أضرب عنقه. فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: «إنه قد شهد بدراً وما يدريك لعل الله اطلع على من شهد بدراً فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم».

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى