فتح مكة .. والعفو عند المقدرة

> «الأيام» عبدالقادر بن عبدالله المحضار:

> ثم سار النبي بهذا الجيش العظيم في منتصف رمضان بعد أن ولى على المدينة ابن أم مكتوم رضي الله عنه وكانت عدة الجيش عشرة آلاف مجاهد ولما وصل الأبواء لقيه اثنان كانا من أشد أعدائه وهما ابن عمه أبو سفيان بن الحارث بن عبدالمطلب وعبدالله بي أبي أمية بن المغيرة شقيق زوجه أم سلمة وكانا يريدان الإسلام فقبلهما صلى الله عليه وسلم وفرح بهما شديد الفرح.

وقد قابل صلى الله عليه وسلم في الطريق عمه العباس بن عبدالمطلب مهاجراً بأهله فأمر أن يعود معه إلى مكة ويرسل أهله إلى المدين،ة وكان قريش قد بلغهم أن رسول الله زاحف بجيش عظيم لا تدري وجهته فأرسلوا أبا سفيان وحكيم بن حزام وبديل بن ورقاء يلتمسون الخبر، فرآهم ناس من حرس رسول الله فأدركوهم فأخذوهم فأتوا بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فاسلم أبو سفيان فلما سار قال للعباس: «احبس أبا سفيان عند خطم الجبل حتى ينظر إلى المسلمين» فحبسه العباس فجعلت القبائل تمر كتيبة كتيبة على أبي سفيان وهو يسأل عنها ويقول ما لي ولها، حتى إذا مرت به قبيلة الأنصار وحامل رايتها سعد بن عبادة فقال سعد: يا أبا سفيان اليوم يوم الملحمة، فقال أبو سفيان: يا عباس حبذا يوم الذمّار، ثم جاءت كتيبة وهي أقل الكتائب فيها رسول الله وأصحابه وحامل الراية الزبير بن العوام رضي الله عنه، فأخبر أبو سفيان رسول الله بمقالة سعد فقال صلى الله عليه وسلم:«هذا يوم يعظم الله فيه الكعبة ويوم تكسي فيه الكعبة» ثم أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن تركز رايته بالحجون -وهو جبل بمعلاة مكة- وأمر خالد بن الوليد رضي الله عنه أن يدخل من أسفل مكة من كدى -جبل مسفلة مكة على طريق اليمن -ودخل هو من أعلاها من كداء -جبل بأعلى مكة- ونادى مناديه: من دخل داره وأغلق بابه فهو آمن ومن دخل المسجد الحرام فهو آمن ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن.

وهذه أعظم منّة له واستثنى من ذلك جماعة عظمت ذنوبهم وآذوا الإسلام وأهله عظيم الأذى فأهدر دمهم وإن تعلقوا بأستار الكعبة منهم عبدالله بن سعد بن أبي سرح الذي ارتد وافترى الكذب على النبي الأمين ومنهم عكرمة بن أبي جهل وصفوان بن أبي أمية وهبار بن الأسود والحارث بن هشام وزهير بن أبي أمية وقليل غيرهم ونهى عن قتل واحد سوى هؤلاء إلا من قاتل.

فأما جيش خالد بن الوليد فقابله الذعر من قريش يريدون صده فقاتلهم وقتل منهم أربعة وعشرين وقتل من جيشه اثنان ودخلها عنوة من هذه الجهة. وأما جيش رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يصادف مانعاً وهو عليه الصلاة والسلام راكب راحلته منحن على الرحل تواضعاً لله وشكراً له على هذه النعمة وكان ذلك صبح يوم الجمعة لعشرين خلت من رمضان حتى وصل إلى الجحون فاستراح قليلا ثم سار حتى بلغ البيت وطاف سبعاً على راحلته، وكان حول الكعبة إذ ذاك ثلاثمائة وستون صنماً فجعل النبي يطعنها بعود في يده ويقول:«جاء الحق وزهق الباطل وما يبدي الباطل وما يعيد» ثم أمر بالأصنام فأخرجت والناس حوله والعيون شاخصة إليه ينتظرون ما هو فاعل بمشركي قريش الذين آذوه وأخرجوه من بلاده وقاتلوه، ولكن هنا تظهر مكارم الأخلاق التي يلزم أن يتعلم منها الناس عامة والمسلم أن يكون رضاه وغضبه لله لا لهوى النفس، فقال صلى الله عليه وسلم:«يامعشر قريش ما تظنون أني فاعل بكم؟ قالوا خيرا أخ كريم وابن أخ كريم، فقال عليه الصلاة والسلام: اذهبوا فأنتم الطلقاء» وممن أسلم في هذا اليوم معاوية بن أبي سفيان وأبو قحافة والد الصديق وقد فرح الرسول كثيراً بإسلامه، أما الذين أهدر رسول الله صلى الله عليه وسلم دمهم فقد ضاقت عليهم الأرض بما رحبت فمنهم من حقت عليه كلمة العذاب فقتل ومنهم من أدركته عناية الله فأسلم، وصلى الله وسلم وبارك على خاتم النبيين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين والحمد لله رب العالمين.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى