إلى الأستاذ خالد الرويشان وزير الثقافة

> علي صالح محمد:

> منذ سنوات وأنا أحاول جاهداً- وفي إطار ما تفرضه حقوق الصداقة والاعتزاز وصنوف الإعجاب والاحترم - إقناع الأستاذ فضل النقيب أن الأوان آن لتجميع إنتاجه الغزير والمتنوع المنشور طيلة العقود المنصرمة وإعادة نشر تلك الأعمال في كتيبات ملائمة وفقاً للمواضيع وهي كثيرة.

وفي كل مرة كان يكتفي بهز الرأس دليل الموافقة ولكن لسان حاله يقول (ما انته عارف العين بصيرة واليد قصيرة) مكتفياً بنشر عموده اليومي والأسبوعي، وراضياً بالحال، ومقتنعاً بأنه سيأتي يوماً من سيتكفل بتجميع ونشر أعماله وربما بعد مماته، لأنه من ناحية من ذلك الصنف الذي يأبى بوعي وبعفة نفس أن يدنو من أحد ليشكو حاله أو يطلب شيئاً، ومن ناحية أخرى لأن في داخله شيئا يرفض القيود والأغلال على قلمه وفكره أياً كان نوعها كصعلوك حر يصعب توجيهه، الأمر الذي جعله يغادر الوطن شماله وجنوبه متنقلاً في أكثر من بلد لأعوام عديدة يبحث عن نفسه، بعيداً عن القيود المتشابهة في هذه الأوطان ليستقر به المقام أخيراً في دولة الإمارات ليمارس طقوس الحرية الفكرية وإن بحدودها المتوفرة.

قبل أيام التقيته وأخي سالم في صنعاء بعد أن دعي إليها للاطلاع على سير العملية الانتخابية والمشاركة في الاحتفالات، وكانت المفاجأة السارة حين أهداني كتيباً جميلاً وأنيقاً في طباعته يحمل صورته واسمه وعنوانه (دفاتر الأيام) ويضم بين دفتيه سلسلة المقالات التي كتبها في صحيفة «الاتحاد» الإماراتية في عام 1995 وهي المقالات التي قمت بتوزيعها في ذلك الحين على عدد من الأصدقاء ومنهم الصديق المرحوم عصام سعيد سالم الذي بادر إلى نشرها في حلقات بجريدته «صم بم».

وأثناء كتابته الأهداء وحتى يبدد لدي حالة الاستغراب والتساؤل شرح لي بأنه هو الآخر قد فوجئ بهذا الإصدار، وأن الذي قام به بمبادرة شخصية هو الاستاذ خالد الرويشان، وزير الثقافة.

وحين كان يكتب الإهداء كانت أنامله كمن يرقص طرباً وعيناه تشع ببريق ينم عن مشاعر السرور، وكلماته مشحونة بعبارات وبمعاني الإعجاب والامتنان تجاه هذه الهدية غير المتوقعة.

شعرت لحظتها بأننا معاً ومن واقع الشعور بالامتنان أصبحنا كتلة فرح حقيقية ونحن نرى أمامنا أول إصدار لطالما تحدثنا عنه كان إلى عهد قريب حلماً يراودنا وأملاً ننشده معاً. وقد لمست تلك المشاعر المتطابقة لدى أخي سالم الذي قال لي إنه نقلها شفوياً لمعالي الوزير حين التقاه في حفل الإفطار بالقصر الجمهوري. وبموازاة هذا الفرح وأكثر منه داهمتني وبقوة لا أستطيع إخفاءها حزمة من مشاعر الامتنان والتقدير والاحترام لهذا الوزير الجميل ولمبادرته الجميلة ولفتته الكريمة وبهذه الصيغة غير المنتظره ليمارس بأخلاقية عالية وبتهذيب رفيع شكلاً من أشكال الوفاء والتكريم لواحد من الكتاب المبدعين، وهو بهذا الموقف يدلل على ما يتمتع به هذا الإنسان الوزير الفنان من خصال إنسانية رفيعة تعكس نبل خلقه وأصالة مكنونه الثقافي وميله الفطري وحبه لزملائه المبدعين، مما يضيف الكثير إلى مزاياه المهنية كوزير للثقافة وهو الذي استطاع وفي فترة وجيزة أن يرفد المكتبة اليمنية بطبع وإعادة طبع أكثر من 400 كتاب في شتى المجالات ولعدد من الكتاب والمبدعين والمفكرين والشعراء قديمهم وحديثهم، الأمر الذي يؤكد صدق وجدية اهتمامه وولعه الشديد بالشأن الثقافي وبالمبدعين ودأبه الشخصي في متابعة وحل همومهم قدر الممكن ويحرص على تكريمهم بشتى الطرق والوسائل، وهذا الأمر له دلالاته ويعني الشيء الكثير في زمن يعاني المبدعون فيه من قلة الوفاء وضعف الاعتبار والتقدير لتكبر مساحات الجحود والنكران وتتصحر معها واحات الثقافة والفنون في الواقع والنفوس ليموتوا غرباء بعد أن كانوا أعلاماً مدهشة، بعد أن طغت وبلا رحمة العادات والقيم الاستهلاكية المادية الدخيلة والمتنامية لتصبح عملية المعيشة وتأمين متطلباتها أهم المهام بل وأشقها، لينعكس ذلك سلباً على الشأن الروحي والأداء الثقافي عموماً.

وفي مثل هذه الظروف فإن التكريم المادي والمعنوي لهؤلاء المبدعين وهم أحياء يرزقون يبلغ مداه العميق في نفوسهم ويجدد الآمال والعزم بمواصلة الإبداع لديهم.

ولهذا أجد نفسي في موقع تقديم الشكر الجزيل للأخ الوزير وأحييه كثيراً لهذه الهدية الجميلة التي أشعر أنه خصني بها شخصياً قبل أن يخص بها الأستاذ فضل النقيب ولتلك الكلمات النبيلة الصادقة التي وضعت كوسام عزيز من عزيز على صدر فارس عزيز مستحق.

وهنا لا أشك مطلقاً بأن بقية أعماله ستجد طريقها أيضاً كهدايا وعطايا لأكبر عدد من القراء، وهي الأمنية التي عبر عنها أ.د.عبدالعزيز المقالح في مقالته المنشورة في صحيفة «الثورة» بتاريخ 25 سبتمبر وهو يتحدث عن مقالات أسفاره الأخيرة التي تشرفت أن أكون رفيق رحلته فيها.

ولا أنسى هنا يا معالي الوزير أن ما قمتم به يمثل حافزاً كبيراً يساعد على إبراز الوجه الآخر لهذا الإنسان بصفته شاعرا كبيرا الأمر الذي يجهله الكثيرون وهو ما عبر عنه أستاذ الصحافة الكبير صالح الدحان حين قال له «صحفي من يافع وقبلنا لكن صحفي وشاعر في آن أمر لا يمكن قبوله» وكان بذلك يمزح مع صديقه فضل وهو أحد رفقائه في مسيرة المعاناة ومهنة المتاعب وألم الإبداع.. ولعل في ذلك تلخيصاً دقيقاً يكشف سر الملكة والموهبة التي يتمتع بها قلمه المميز والفريد المتجدد الذي يرسم بالكلمات ككاتب في روح شاعر كبير وشاعر في روح كاتب محترف لا يفكر إلا حين تضم أنامله القلم.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى