الرداعي...

> فضل النقيب:

>
فضل النقيب
فضل النقيب
أنا لا أتحدث عن «القات الرداعي» فقد طارت شهرته حتى وصلت إلى «شحن» على الحدود اليمنية العمانية مروراً بحضرموت الساحل والوادي والصحراء، تلك آماد لم يبلغها أي نوع آخر مما يزخر به اليمن السعيد من هذا النبات العجيب.

وقد قدر لي الشهر الماضي أن أرى مزارع «أبو زربين» في قيعان «رداع» الهضيمة التي لم تهضم بعد كونها جزءاً من محافظة البيضاء و ليست مركزها كما كان الحال في فترة سابقة، أو كما كان في الماضي عندما اتخذها عامر بن عبدالوهاب حاضرة للدولة الطاهرية الشهيرة التي كان يمتد إشعاعها حتى البحر في عدن، وقد سعدت بزيارة المدرسة «العامرية» مع وفود صحافية عربية فوجودها آية من آيات المعمار وفن الزخرفة يدل على ما بلغته تلك الدولة وصنّاعها من مهارات في فن يواكب أجمل ما في العصر، فقد كانت «العامرية» على نمط الأزهر والمستنصرية والقيروان وغيرها من الجامعات الإسلامية الشهيرة ولا تقل روعة عن الجامع الكبير في صنعاء، وإن كانت أصغر منه وأحدث عهداً، وقد بذلت جهود عظيمة للكشف عن مكنون العامرية الزّخرفي وألوانها الأصلية بعد أن راكم الزمن ما راكم عليها حتى أخفاها أو كاد. وكلمة حق لابد أن تقال في حق البعثة الهولندية التي شاركت اليمنيين في هذا المجهود الذي يستحق الشكر، وقد شرح لنا القائم على المدرسة التي أصبحت أثراً لم تدب فيها الحياة بعدما عانته من افتئات كاد أن يودي بها هدما في عصور الظلام والتحكم المذهبي البغيض.

ما علينا، قلت إنني لا أتكلم عن القات الرداعي، ولا أتكلم عن أصيحابي من رداع: زميل الطفولة في عدن علي عبدالله العولقي (عوالق رداع) الرجل الذي لم يضيع طفولته وإن كاد أن ينساها، وقد استزرته العام الماضي إلى عدن بعد أن أمضى 30 عاماً في صنعاء مهندساً بترولياً وناشطاً سياسياً، فعاد يتهجى الأبجدية العدنية من جديد، وما هي سوى أيام حتى انطلق لسانه كأنه لم يغادر عدن أبداً، ويا لها من فرحة أعادت إليه الروح وابتعثته خلقاً جديداً فأخذ «يُعرعر» على هواه، وأنا أقول له : كفى ياولد العولقي فيجيب: إنني كمن يأكل البسكويت، لماذا تريد أن تحرمني من هذه المتعة. كما لا أتحدث عن السفير أحمد كلز، الصديق الحميم لعمر الجاوي ولي والذي يخدم جميع الناس من يعرف ومن لا يعرف، يسعى في حوائجهم كأنه مكلف لا يريد منهم جزاء ولا شكورا وهو الآن في «هافانا» سفيراً لليمن في كوبا، وحتماً سيجد هناك من يقوم بقضاء حوائجهم لأنه لا يستطيع العيش بدون ذلك وقد كان نصيبي من عطايا بن كلز الكثير الكثير. كما لا أتحدث عن «جبر بن جبر» ملك الحليب «النيدو» في عدن أيام الرئيس سالم ربيع علي، فهو أشهر من نار على علم، ولم أر راوية للشعر الشعبي في مثل نباهته وفصاحته. كما لا أتحدث عن أبناء رداع من أبطال «الدكة» في المعلا أيام حكم الإنجليز فقد كانوا أساطير في عالم «الفتوات» مع زملاء لهم من جيرانهم من يافع.

إنني أتحدث عن رداعي لم أتعرف حتى على اسمه وإن عرفت لاحقا أنه «بازال الواقدي»، وإن كان الزمن سيختبرني به ذات يوم كما أتوقع، فقد صدمت سيارته وهي كالعروسة في منطقة «الدكاكين» بخورمكسر في العشرين من رمضان الحالي، فكسرت له مصباحاً من الأمام، وبغض النظر عمن أخطأ في الوقوف فقد كنت أنا الجاني، وطبعاً تجمع الفضوليون الذين تجمعهم طبلة وتفرقهم عصا على حد قول عمرو بن العاص، وكأن عرساً قد انعقد بجانب «ساحة العروض» ثم جيء بالرداعي من الفندق فتأمل سيارته، ثم قال لي: وكيف الحل، قلت له: أمرك، أنا حاضر، وكنت أشعر بأنني أكاد أن أختنق من الفضوليين، قال: الطقم يكلف 38 ألف ريال، ولكن من أين أنت؟ قلت من يافع، صمت ثم قال: اذهب فقد سامحتك، ولم يسأل عن اسمي وتهيأ لي للحظة أنه قد تقمص شخصية عامر بن عبدالوهاب.. شكرا يا رداعي.. شكرا.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى