عبدالمجيد الأصنج .. شاعر مدينة عدن

> «الأيام» نجمي عبدالمجيد:

> عرف هذا الشاعر في اربعينيات القرن الماضي وتحديداً في عام 1940م عندما نشر عدة قصائد في صحيفة «فتاة الجزيرة» وذاع حضوره بين العامة حتى لقب بشاعر مدينة عدن، وهو يعد من جيل الرواد الذين ساهموا في تجديد الحركة الأدبية في عدن مع أعلام مازالت أعمالهم الهوية والذاكرة لروح عدن الثقافية.

وبالرغم من المكانة التي بلغها شعراً عبدالمجيد الأصنج، إلا أن الدراسات والبحوث الأدبية والتاريخية التي كتبت بعد عام 1967م عن دور عدن التنويري أغفلت حياته وأعماله حتى غاب عن ذكر الناس كشاعر وشخصية اجتماعية، وعندما عدنا إلى بعض الأعداد من صحيفة «فتاة الجزيرة» وقفنا أمام عدة قصائد لهذا الشاعر والتي تؤرخ أدبياً لمرحلة من تاريخ عدن الثقافي، والتي لا يمكن تجاوز اسم الشاعر عند الحديث عنها .

وهذه المادة الصحفية عنه تجمع بين القراءة والتقديم حتى يأخذ حقه بين الشعراء في مجال البحوث والدراسات والنقد، وعملية الرصد لتاريخ عدن الثقافي مازالت غير مكتملة الحلقات بفعل التجاهل للعديد من الرموز لعدة عوامل منها السياسة وصراعاتها والتي دائماً ما تحكم على الإبداع من المنطلق السلطوي، والرؤية الأحادية الجانب وما أسعى إليه في هذا الموضوع هو تقديم بعض التعريف لهذا الشاعر وما سطر من كلمات، عبرت عن الوجدان والمشاعر.

تهبط النيران من فلك الشعر

هذه أول قصيدة ينشرها الشاعر عبدالمجيد الاصنج في صحيفة «فتاة الجزيرة» العدد 2 يوم الاحد بتاريخ 7 يناير 1940م ويقول فيها:

أيها الأنفس الصحاح القديرة

واللهاة الفصاح فينا الخطيره

هاهي اليوم، حسبكم تتهادى

بدلال الصبا فتاة الجزيره

كان بالأمس حسنها في خدور

من صدور كدرة في نميره

فأبت كالصباح إلا انبثاقا

لعيون بها العيون القريره

أذنت أن يمسها كل حي

أترى الحي لم يهبها ضميره

وقضت أن تغيب عن خاطر

المنخوب حتى العمى يراه مصيره

جبلت حرة وللحر روح

تتسامى كريمة وأميره

كيف تبدى لأكمة العقل وجهاً

وهي من معقل العقول البصيره

حكم الشعر إنما الشعر عدل

ومن الشعر حكمة وحظيره

أيهذا الهواء والماء والأحياء

في هذه الحياة الغريره

أرسلوها مع النسيم عليلاً

نسمة للشعور تحيي جريره

واجعلوها في كل كأس دهاق

جرعة تعذب العيون المريره

واقرؤوها بلحن داؤد إذ

يصغي فتاها فيسترد زبوره

ليس إلا بها الحياة سلاما

ليس إلا بها الحياة بشيره

إنها في محاجر العيش نور

حسنت في قرارها مستنيره

وهي أن يبلغ الرصين حماها

فله جنة يرى وحريره

زجها للبروز من عالم الإفهام

ذو البارقين حيا أثيره

الأبي الذي «علي» فتاه

بأبي آمرًاً ألفت وزيره

الكمي الذي إذا ما التقى

الجمعان من خالد تحيي ظهيره

حبذا أوجه صباح تجلي

أوجهاً ما عبوسة قمطريره

عدن بشري العروبة أن الجهل

أضحى موءودة في حفيره

ذاك بئس الشنار والعار في

الأمصار في ملة النبي الشهيره

يا أخا الصالحات ليس سواء

أمة حرة وأخرى أجيره

لا ولا يستوي لدى أي عقل

أمة ترتقي وأخرى كسيره

أمة العلم أمة الجهل تأتيها

فداءً مقودة وحقيره

يا شباب البلاد أنتم لآمال

بلادي أنشودة ووتيره

مثلوا عصرها بعصر ابن رشد

وابن سينا يانعم سعد العشيره

قلدوا «النيل» عقد «صيرة»

واعتاضوا من النيل سكرات لصيره

إن عصر الشباب عصر قديرة

بالغ لو أراد يوماً سريره

صغت شعري بشارة لأولي

الألباب إذ صنت للرعاع نذيره

تهبط النيرات من فلك الشعر

لرفع العواطف المستثيره

فترى المؤمنات من أنفس الأحياء

ما لا ترى النفوس الكفوره

من شاعر عدن الكبير إلى شاعر الشباب

نشر الشاعر علي محمد لقمان، في العدد 7 من «فتاة الجزيرة» بتاريخ 11 فبراير 1940م قصيدة (هلال محرم) وقد أعجب الشاعر عبدالمجيد بهذه القصيدة وبعث برسالة الى صحيفة «فتاة الجزيرة» مع قصيدة نشرت في العدد 12 بتاريخ 17 مارس 1940م، ونحن نقدم نص الرسالة مع القصيدة كي نعرف القارئ بمرحلة من تاريخ الحركة الأدبية في مدينة عدن، والتي كان الشاعر عبدالمجيد الاصنج من أبرز روادها، وقد كتب المحرر في «فتاة الجزيرة» قائلاً: «وصلتنا هذه الرسالة الكريمة من الشاعر الفحل الاديب النابه عبدالمجيد الاصنج وشاعرنا هذا يمتاز بنبل العاطفة وجمال التصوير وهو في نثره مثال للأدب القومي وصورة للوطنية في ابهى حللها».

إعجاب بحق

يا لها من قصيدة غراء تلك التي قرأتها في العدد السادس من «فتاة الجزيرة» الصالحة في 3 من شهر محرم 1359هـ اذ كانت مناجاة حكيمة بين شاعر الفصحى وهلال محرم الجديد.

يالها من فريدة عصماء اقرؤها اليوم مرة ثانية مرجعاً بصري فيها كرتين في كل كرة ينقلب الذوق بعين جارية في جنة عالية.

يا لها من خريدة خالدة تلك التي جاد بها على العروبة المقدسة الأديب العبقري شاعر الشباب علي محمد لقمان ومن أوفى بعهد العروبة منه؟ والعروبة ليست إلا إيماناً ثابتا في قلوب قوم ظاهرين لا سبيل الى تحويلهم عنها فهي واضحة وضوح تلك القلوب الطاهرة النيرة، باقية بقاء تلك الافئدة السليمة الخيرة.

نعم إنها قصيدة، لكنها محمودة البديع، وسامية التأصل والتفريع. عرف صاحبها كيف يخرج نفسه للناس وكيف يصنع لنفسه سموها المشهود. فإذا به يلقي على الجيل الحاضر اشعة من الخير وضياء من الحياة فمرحى للعروبة في أكرم أنجالها البررة يمزقون بإخلاصهم لها أواصر الشقاء ويقوضون بنيان أعدائها بمعول الأمل والرجاء، ومرحى لشاعرها اليوم وأديبها النابه الأستاذ علي محمد لقمان العامل لخير العروبة في حق ويقين، الناظم للضاد وحي ضميره الحر كحقائق للحياة الجلية، واضعاً أيدي الشباب على مواطن الأسى والشجون.

ترى من أي سماء تنزلت تلك الجوهرة الفذة؟ وبأي نول نسجت تلك البردة المحبرة بالبيان الساحر، هذا سؤال لا طاقة لأحد أن يجيب عنه إلا الشاعر نفسه وليس من شأني أن أقول ما ليس لي بحق إن انا قلت اليوم:

أتراها وجنة من وردتين

أم سناها جمرة في وجنتين

من ربيع الضاد ما أطيبها

نفحة من جنة في طالعين

طالع الفصحى «علي» عينه

و«علي» في سماء الشعر عين

طلعت في صحف منشورة

منه ما يشجي جميلاً وبثين

غرر من درر مكنونة

تتلألأ في ضمير الصدفين

نجمة الأحلام لما أسفرت

هتفت واستقبلها باليدين

هام قلبي بمعانيها كما

هام صداح السفا بالرقمتين

فتصورت ابن مخزوم وما

مسه من نار وجد بسكين

عمرك الله «علي» كم ترى

تبرز اللبات في سوق اللجين

إبك أو فاضحك فنعم المرتضى

أنت عندي عبقري الحالتين

أنت للحكمة عين سحرها

علم الأجفان حمل النبلتين

دمعة الشاعر أو بارقة

يالقومي ذاك إحدى الحسنيين

دمعة الشاعر لو أنصفها

كل راء لم ير في الحال شين

وابتسام الشعر لو قدره

من يرى لاحتل ثغر الفرقدين

دمعة الشاعر ماء سلسل

ومن الماء حياة النشأتين

وإذا ما افتر برق صالح

رغبة يملؤ قلب الثقلين

كم سما بالشعر جيل خامل

وقضى عن كل حر كل دين

وهل الشعر سوى عقد على

عنق الدنيا يضاهي النيرين

أين من ذا الجيل إحساساته

إذ «علي» الشعر يستحييه أين

ما به للشانئية خيفة

إنما يرجو سلام الجانبين

نجل لقمان وسامي عصره

ذو الخطاب الفصل في وصل وبين

تارك الاخطل في ديوانه

أثراًً - لم يغن شيئاً - بعد عين

بوليد الشعر ما أبدعته

من نفيس في هلال المشرقين

يتبارى الكاس والنرجس في

طرفيه ليكونا دفتين

الشيخ عثمان: 23 محرم 1359هـ ».

لا نستطيع تقديم إحصاء لعدد القصائد التي نشرها الشاعر عبدالمجيد الاصنج في صحيفة «فتاة الجزيرة» والسبب الاول هو فقدان الكثير من أعداد هذه الصحيفة التي استمرت في الصدور من عام 1940م حتى 1967م.

كذلك لانعرف إن كانت له مؤلفات صدرت عن مطابع عدن أو في بعض الدول العربية مثل مصر ولبنان التي نشرت فيهما عدة أعمال ادبية لمحمد عبده غانم وعلي محمد لقمان ولطفي جعفر أمان، ولا نعرف إن كانت له أيضاً كتابات غير الشعر مثل النثر الأدبي في مجال النقد أو الدراسات الأدبية أو في الكتابات السياسية التي ذاعت بين الناس مع توسع المطابع والصحف وتعدد الأحزاب والمنتديات التي شهدتها مدينة عدن في تلك السنوات.

وغياب هذا الرصد لإسهامات الشاعر عبدالمجيد الاصنج، لا يجعلنا نعطي الصورة المطلوبة عن دوره الشعري الذي تزامن مع ظور عدة شخصيات في هذا المجال، غير أن هذه المحاولة في تقديم بعض من إسهاماته قد تكون البداية نحو العودة الى تراثه وحياته وجمع أكبر قدر من إنتاجه ليجد طريقه الى النشر لنتعرف على منزلة شعرية ظلت لسنوات عديدة من أصوات عدن المعبرة عن أحاسيس في قلوب العامة.

أنا في الحب عاشق الحدثان

نشرت هذه القصيدة في العدد 22 من صحيفة «فتاة الجزيرة» بتاريخ 26 مايو 1940م ويقول فيها:

بسهام الغرام طرفي رماني

حين أبصرت فاتر الأجفان

فضحت قوتي وشدة بأسي

قطرة كسروية كالسنان

أضرمت في الفؤاد ناراً ولكن

عندها من تجلدي جنتان

أن حب الجمال في كل عين

فرضته على الورى العينان

بعض عذري وقد تدلهت فرداً

عذر قيس وما لقيس لساني

صارماً أسكت المحبين قلبي

من هيام بلاغة في بياني

أنا لا أبتغي دموعي شهوراً

قد كفاني تعللي قد كفاني

أعلن العاشقون قبلي هواهم

وأنا في سريرتي إعلاني

أي صب ترى يعيش كأن لم

يك صباًً من خوفه في أمان

يفعل الحب ما يشاء بقلبي

وأنا في الحب عاشق الحدثان

نسمات النسيم تشرح لطفي

في شعوري ودقتي في كياني

والهزار الشجي من صدق شجوي

كم يعاني تفنني كم يعاني

وانعطاف الغصون بللها الطل

تزيّا بقلبي النشوان

واحمرار الورد ما كان إلا

خجلاً من دمي السفيك المصان

علم الدهر أنني واحد العشاق

عندي لا يدعي الحب ثاني

فلوى نحو مركزي مستعيداً

من عنان لم يلتحق بعنان

اسأل النجم كلما عسس الليل

سينبيك كل نجم بشاني

يا حبيبي أكلما زدت شوقاً

وتفانيت قلت لي لن تراني؟

زد فؤادي بذا الصدود التحاقا

بثلاث من أرضنا ومثاني

فالأماني مع الجفا كالمنايا

والمنايا مع الوفا كالأماني

كل ما يفعل الجميل جميل

ووصيل بعبقري حسان

لا يشين الغرام صد وهجر

رب عيش يتم بالنقصان

أيها العاذلون هاتوا جميعاً

ما لديكم من القبيح المزان

ما براهينكم على عذل قلبي

بعد أن كاد سحركم برهاني

إن ما بين سحركم وفؤادي

برزخ لا هناك يلتقيان

أتقولون لي غويت محبا

ثم أنتم سواعد الشيطان

أجهلتهم أن المحبة شرط

منطقي في صحة الإيمان

إنما الحب للحياة قوام

وجدير به بنو الإنسان

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى