كتاب (الاستشراق) للمفكر الفلسطيني إدوارد سعيد في ترجمة مصرية

> القاهرة «الأيام» سعد القرش:

>
إدوارد سعيد
إدوارد سعيد
بعد نحو 30 عاما من صدوره لايزال كتاب (الاستشراق) للمفكر الفلسطيني البارز إدوارد سعيد مثيرا للتأمل بقدرته على استشراف قضايا متجددة حول ثنائية الشرق-الغرب منذ قال إن الشرق عدو مفترض أو أسطورة خلقها خيال الغرب.

وفي الذكرى الثالثة لرحيل سعيد الذي ولد في القدس صدرت ترجمة "مصرية" لكتاب (الاستشراق) لأستاذ الأدب الإنجليزي بجامعة القاهرة محمد عناني الذي وضع للكتاب عنوانا فرعيا هو (المفاهيم الغربية للشرق) خلافا للعنوان الفرعي للكتاب منذ ترجمه السوري كمال أبو ديب قبل 25 عاما وهو (المعرفة. السلطة. الإنشاء).

وصدرت الطبعة الجديدة عن دار رؤية بالقاهرة وتقع في 560 صفحة كبيرة القطع وهي مزيدة عن الترجمة "السورية" بفصل ختامي عنوانه (تذييل طبعة 1999) أشار فيه سعيد إلى أن (الاستشراق) هو الكتاب الوحيد الذي كتبه دفعة واحدة واكتمل عام 1977 كما سجل الاهتمام بالكتاب بعد صدوره في الولايات المتحدة وبريطانيا "وكان بعضه كما هو متوقع بالغ العداء وبعضه لا يدل على الفهم ولكن معظمه كان إيجابيا بل ويبدي الحماس للكتاب" الذي توالت ترجماته وأثار خلافات ومناقشات بعضها بلغات لا يعرفها مؤلفه.

ويرى سعيد (1935 - 2003) أن الشرق شبه اختراع أوروبي وأن الاستشراق ليس مجرد خيال أوروبي متوهم عن الشرق "بل إنه كيان له وجوده النظري والعملي وقد أنشأه من أنشأه واستثمرت فيه استثمارات مادية كبيرة على مر أجيال عديدة وقد أدى استمرار الاستثمار إلى أن أصبح الاستشراق باعتباره مذهبا معرفيا عن الشرق شبكة مقبولة تسمح منافذها بتسريب صورة الشرق إلى وعي الغربيين... الإمبريالية السياسية تحكم مجالا كاملا من الدراسات والإبداع والمؤسسات البحثية."

ويرصد بعض نجوم الفكر والأدب الأوروبيين الذين "كانت لهم آراؤهم المحددة بش أن الامتياز العنصري والإمبريالية ومن اليسير إدراك تأثيرهما في كتاباتهم" ومنهم المؤرخ توماس كارلايل (1795 - 1881) والفيلسوف جون ستيورات مل (1806 - 1873) والشاعر ماثيو أرنولد (1822 - 1888) والروائيون جوستاف فلوبير (1821 - 1880) وتشارلز ديكنز (1812 - 1870) وجورج إليوت (1819 - 1880). ويتساءل: كيف شارك فقه اللغة ووضع المعاجم والتاريخ والبيولوجيا والنظرية السياسية والاقتصادية وكتابة الروايات والشعر الغنائي في خدمة رؤية الاستشراق للعالم وهي الرؤية التي تعتبر إمبريالية بصفة عامة؟. ويضيف أن الثقافة الأوروبية تمكنت من ابتداع الشرق عبر مفاهيم الاستشراق الذي اعتمد على التمييز الوجودي والمعرفي بين الشرق والغرب حيث "زادت الثقافة الأوروبية من قوتها ودعمت هويتها من خلال وضعها لذاتها مقابل الشرق باعتباره ذاتا بديلة...الاستشراق برمته يقع خارج الشرق وبعيدا عنه."

ويرى سعيد أن تاريخ الاستشراق أدى إلى التعصب الشائع في الغرب ضد العرب والإسلام مضيفا أنه "مما يزيد الأمر سوءا عدم إقدام أي شخص له اهتمامات أكاديمية بالشرق الأدنى أي عدم إقدام أي مستشرق قط في الولايات المتحدة على التعاطف الكامل والصادق ثقافيا وسياسيا مع العرب. ولا شك أن بعض حالات التعاطف قد وجدت على مستوى من المستويات لكن أيا منها لم يتخذ في يوم من الأيام الصورة المقبولة التي يتخذها التعاطف الأمريكي الليبرالي مع الصهيونية."العداء للسامية يشبه الاستشراق أو قل إن الاستشراق هو الفرع الإسلامي للعداء للسامية." ويقول سعيد في الفصل "الجديد" من الطبعة المصرية إن هناك تفسيرات خاطئة للكتاب رأت أنه يدافع عن الإسلام والعرب ويعادي الغرب بصورة مستترة في حين كان يهدف إلى تخطي الهوة بين الشرق والغرب من خلال إثارة قضية التعددية الثقافية ف ي كتاب يحفل بظلال المعاني ومن يراه مجرد رد على الغرب يسيء إليه بهذا الوصف المبسط.

كما يقدم مراجعة لردود الأفعال حول الكتاب وللسياق التاريخي الذي اختلف بعد أكثر من 15 عاما على صدوره حيث تفكك الاتحاد السوفيتي وتدافع باحثون أمريكيون "إلى اعتبار أن الإسلام الذي أضفوا عليه صبغة الشرق يمثل إمبراطورية شر جديدة" مفسرا بذلك الصور النمطية التي تصف الشرق بالكسل والقسوة والانحطاط والنزعة الحسية كما "تحط من المسلمين فتربط بينهم وبين الإرهاب."وينفي أن يكون الاستشراق مؤامرة ويشدد على كونه ظاهرة ثقافية وسياسية وأنه في بعض جوانبه كان متواطئا مع المصالح الاستعمارية ومن الصعب "فصل مصالح المستشرق من طرف واحد عن السياق الإمبريالي العام الذي بدأ مرحلته العالمية الحديثة بغزو نابليون لمصر في 1898" مشيرا إلى ما وصفه بالرصانة المتعمدة لكت اب (وصف مصر) الذي أمر نابليون بوضعه حيث تشهد مجلداته "بالجهود المنهجية لفيلق كامل من العلماء الفرنسيين الذين يساندهم جيش حديث يقوم بالغزو الاستعماري." وسبق أن أشار سعيد في كتب أخرى مثل (تغطية الإسلام) عام 1981 إلى التعاون بين الاستعمار والمستشرقين لدرجة يندر معها وجود خبير من خبراء الإسلام لم يكن مستشارا لحكومة بلاده مستشهدا بالمستشرق الهولندي سنوك هوخرونيه الذي "استغل الثقة التي أولاه المسلمون إياها في تخطيط وتنفيذ الحرب الهولندية الوحشية ضد أبناء شعب أتشيه المقيمين في سومطرة."

وفي مراجعته لردود الفعل على كتاب (الاستشراق) يعيد سعيد التذكير بهذه العلاقة. ويقول "أؤكد أن رابطة المستشرقين لها تاريخ محدد في التواطؤ مع السلطة الإمبريالية. ومن العبث أن ننكر الصلة بينهما."

ويضرب المثل بالمستشرق الأمريكي برنارد لويس الذي هاجم كتاب (الاستشراق) ومؤلفه. ويقول سعيد إن لويس "يمضي في تشويه الحقيقة وأن أفكاره شائعة للأسف بين صغار مساعديه ومقلديه وهم الذين تنحصر مهمتهم فيما يبدو في تنبيه المستهلكين الغربيين إلى الخطر الذي يتهددهم والنابع من عالم إسلامي ساخط خلقه الله غير ديمقراطي وميالا للعنف."

ويرى أن الاهتمام الأوروبي بالإسلام "لم ينشأ من حب الاستطلاع بل من الخوف من منافس للمسيحية يتميز بوحدته وصلابته وبقوته الجبارة ثقافيا وعسكريا" مضيفا أن رواسب من القرون الوسطى لاتزال تمثل مزيجا من الخوف والعداء في الاهتمام العلمي أو غير العلمي بالإسلام. وأصدر سعيد كتابه الأول (جوزيف كونراد ورواية السيرة الذاتية) عام 1966 عن الروائي البريطاني كونراد (1857 1924) ولكن شهرته طغت منذ كتاب (الاستشراق) الذي كان دالا على مؤلفه رغم توالي كتبه الأخرى ومنها(العالم والنص والناقد) و(ما بعد السماء الأخيرة.. حيوات فلسطينية) و(لوم الضحايا) بالاشتراك مع الكاتب البريطاني كريستوفر هيتشنز و(الثقافة والإمبريالية) و(سياسة السلب.. الكفاح من أجل حق تقرير المصير الفلسطيني) و(خارج المكان) وهو سيرة ذاتية لسعيد.

وفي كتاب (الاستشراق) يلفت سعيد الانتباه إلى أن كتابه (مسألة فلسطين) الذي صدر عام 1980 ترجم إلى العبرية وصدر عن دار نشر إسرائيلية في أوائل الثمانينيات لكنه لم يترجم إلى العربية مضيفا أن ناشرا عربيا أبدى اهتماما بالكتاب لكنه طلب منه أن يحذف أجزاء تتضمن نقدا صريحا لأحد الأنظمة العربية ومن بينها منظمة التحرير الفلسطينية "غير أنني كنت دائما أرفض هذا الطلب."

وكان سعيد قد استجاب لدعوة الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات وانضم سعيد إلى عضوية المجلس الوطني الفلسطيني في نهاية الثمانينيات دون انتماء لأي من الفصائل الفلسطينية إلا أنه عارض اتفاق أوسلو بين عرفات ورئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إسحق رابين. وأصدر عام 1994 كتاب (غزة-أريحا.. سلام أمريكي) وفي العام التالي أصدر كتاب (أوسلو 2. سلام بلا أرض). وقال عناني مترجم "الطبعة المصرية" إنه يؤمن بأن المترجم "مفسر" يحول الفكرة إلى لغة العصر وإن من حق القاريء العربي أن يطلع على آخر صور كتاب (الاستشراق) لسعيد الذي اعتبره عبقريا يختلف في فهم نصوصه المترجمون حيث إن له أسلوبا خاصا "أصبح علما عليه ولا يكاد يشاركه أحد فيه خصوصا أنه باحث أدبي في المقام الأول" مشيرا إلى شكوى قراء العربية والإنجليزية من صعوبة نصوص سعيد ومنها هذا "النص العسير. ما دفعني إليه إلا إحساسي بحق القاريء العربي وحق إدوارد سعيد في أن يقرأ كتابه بيسر وسهولة."

وأضاف في تصدير بلغ 25 صفحة أن سعيد من القلائل "إن لم يكن الكاتب الوحيد الذي خاطب الغرب بلغته ومنهجه العلمي الحديث فكشف الغطاء عما يتخفى بقناع الثقافة والدراسة العلمية من مواقف سياسية لا ترمي إلا إلى تحقيق مطامع أو مصالح مادية صرفة."

ومن الأمور التي نبه إليها سعيد مبكرا أن خبراء الشرق الأوسط لايزالون يشغلون المواقع التي كان الاستشراق يشغلها في القرن التاسع عشر ذروة المد الاستعماري وأن الأيديولوجيا السالبة لإنسانية الإنسان وشبكة العنصرية "هي الشبكة التي تحيط بالعربي أو بالمسلم.

شبكة بالغة القوة وهذه هي الشبكة التي يشعر الآن كل فلسطيني أنها أصبحت مصيره الذي يمثل له عقابا فريدا." رويترز

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى