رجال في ذاكرة التاريخ

> «الأيام» نجيب محمد يابلي:

> الميلاد والنشأة .. الحاج محمد عبدالعزيز أغبري من مواليد حيفان، بمنطقة الأغابرة (لواء تعز) عام 1920م، نزح إلى عدن وهو في سنوات طفولته الأولى وتلقى دراسته الابتدائية فيها والتحق بعد ذلك بإحدى ورش رجل الأعمال الفرنسي المشهور أنتوني بس (A.BESS) الذي عاش في عدن من مايو 1899م حتى منتصف عام 1951م، وكون فيها إمبراطورية تجارية بدأت بالجلود ثم توسعت لتشمل مختلف أنواع السلع التي يمكن أن يحتويها ميناء حر في منتصف القرن العشرين (راجع كتاب: عدن في كتابات الرحالة الفرنسيين: د.مسعود عمشوش- ص 87).

الحاج محمد يدخل التاريخ من باب الكوارث
سطع نجم محمد عبدالعزيز في ورشة أحواض السفن التابعة لشركة البس وتراكمت لديه خبرة يشار لها بالبنان في مجال الخراطة، وحدث أن شب حريق كبير في ورشة البس وكانت هناك اسطوانات غاز وكان الموقف حرجاً جداً ونجا من نجا من العمال والفنيين والإداريين وبرز الحاج محمد لمواجهة الموقف، وكان على حساب حياته وأصيب من رأسه حتى أخمص قدميه ونقل إلى المستشفى وكتبت له حياة جديدة، وكانت المكافأة بحجم التضحية، ذلك أن رجل الأعمال الكبير انتوني بس فتح له ورشة خاصة به في معلا دكة (راجع مقال الزميل جعفر مرشد في بروشور أربعينية الفقيد الحاج محمد عبد العزيز الذي أصدره نادي التلال الرياضي بعدن).

لم تنل ورشةٌ حظاً من الشهرة مثلما حظيت به ورشة الحاج محمد عبدالعزيز في معلا دكة والتي احتضنت مئات الفنيين في مجال الخراطة، وتعتبر تلك الورشة بحق أكبر معهد فني في تلك الفترة، وعندما دعت الحاجة لتلك الخدمة الفنية والنوعية فتح ورشة أخرى بتعز وأوكل الحاج محمد مهمة الإشراف على ورشة عدن لأخيه أحمد عبدالعزيز، ولم يخفت بريق ورشة الحاج محمد عبدالعزيز أغبري حتى الآن (مرجع سابق).

من نادي الاتحاد المحمدي إلى نادي النجم اللامع «الأحرار»
نشأ الحاج محمد عبدالعزيز أغبري مغرماً بالرياضة وارتبط بداية بنادي الاتحاد المحمديMOHAMDAN COMBINE CLUB (MCC)، أعرق أندية عدن الذي تأسس عام 1905م والذي أدى رسالته الرياضية بفضل الدعم الذي قدمه تجار حضارم من المعجبين بالنادي منهم السادة آل بازرعة وآل باشنفر وآل باعبيد، ومن عمالقة ذلك النادي: مصطفى عبدالكريم بازرعة وعبيد بارزيق ومحمد صالح عراسي ( قبل انتقاله إلى نادي الشبيبة المتحدة - الواي) وياسين بربراوي ومحمد عمر الزيدي والسيد أبوبكر محمد أحمد وصالح الربيح وحسن عوض هوريه ومحمد صالح عمر وعبدالله كوكيه وأحمد صالح عبداللاه (راجع كتاب: رحلة عطاء وذكريات كروية: معتوق خوباني - ص 204).

بالإضافة إلى هواية السباحة التي كان يمارسها يومياً بعد صلاة الفجر، كان الحاج محمد عبدالعزيز من لاعبي الاتحاد المحمدي في أربعينات القرن الماضي، حيث كان يلعب مع الفريق الثاني في مركز جناح أيمن (مرجع سابق، جعفر مرشد)، واستمر ارتباط الحاج محمد عبدالعزيز بنادي الاتحاد المحمدي حتى حدث انشقاق داخل النادي جرف عدداً من الإداريين واللاعبين والمشجعين لأسباب طرحت حينئذ وكانت موضوعية أقنعت الحاج محمد عبدالعزيز وآخرين بضرورة الانسحاب من ناديهم العريق إلى كيان جديد اسمه «الأحرار».

الحاج محمد عبدالعزيز رمز «الأحرار»
استناداً لتقرير الجمعية الرياضية العدنية المؤرخ: 28 فبراير 1958م، بلغ مجموع أندية عدن مع أندية الهوكي 41 نادياً ضمت 6000 لاعب. وكانت أندية منطقة كريتر على النحو التالي: نادي الاتحاد المحمدي ونادي الحسيني الرياضي ونادي العيدروسي الرياضي ونادي النجم اللامع «الأحرار» ونادي الأهلي الرياضي ونادي شباب الهنود ونادي النجم الأزرق ونادي البوليس الرياضي ونادي النجم الآسيوي ونادي الشباب الرياضي ونادي شباب القطيعي ونادي الطويلة الرياضي ونادي الخساف الرياضي ونادي فتية الثكنات (بارك بوي) BARRACK BOY CLUB وارتفع عدد الأندية عام 1965م إلى (62) نادياً.

كلما وجه العامة سؤالهم إلى المنشقين: لماذا انسحبتم؟ كانت الإجابة نحن «أحرار» فاستمرأ القوم كلمة الأحرار وكان ذلك عام 1954م وعندما أرادوا تسجيل ناديهم باسم «الأحرار» اعترضت السلطات المختصة بحجة إقحام السياسة في الرياضة ولذلك قيدوا اسم ناديهم باسم «النجم اللامع» وبقي «الأحرار» في وجدان الجمهور وتلاشى «النجم اللامع» وحل «الأحرار» محله.

الأستاذ عبدالجبار سلام في شهادته للتاريخ
أنفق الحاج محمد عبدالعزيز بسخاء على نادي الأحرار، الذي كان واحداً من أبرز مؤسسيه، ذلك النادي الذي ضم كوكبة من اللاعبين أمثال: محمد إبراهيم تمباكو وأحمد صالح موشجي وتوفيق الأسمر وعباس غلام ومحمد عوض ومحمد ميه ومصطفى سكران وجعفر مرشد وعلي الماس وناصر الماس وعبدالمجيد مرشد (حارس مرمى) وبرز لاحقاً الشهيد محمد علي الحبيشي وأبوبكر عوض وإبراهيم علي أحمد وعبدالله مسعود وأبوبكر طرموم وعلي السوداني ويسلم صالح ومحمود كيللر وأحمد علي مهدي «الدكتور» وعبدالله علي حسن ونديم عبده حزام (حارس المرمى).

في شهادته للتاريخ وباعتباره أحد لاعبي الأحرار، قدم الأستاذ عبدالجبار سلام سعيد شهادته للتاريخ عن الحاج محمد عبدالعزيز أغبري، الذي كان يوفر من ماله الخاص حاجة نادي الأحرار من الملابس والمعدات الرياضية وكان يجلب الفانلات الصفراء من بريطانيا وألحق عدداً من الرياضيين الشباب الفقراء في المدارس الأهلية على نفقته الخاصة وكان يدفع مكافآت انتقال لاعبين من أندية أخرى إلى نادي الأحرار منهم: أبوبكر عبدالله عوض وعبده مهدي والمقيدح وصالح مبروك (لحج) وأحمد صالح (أبين)، وكان يدفع حوافز شهرية ثابتة للاعبين فقراء منهم: يسلم صالح وأبوبكر طرموم، ناهيكم عن توفير فرص عمل لعدد من اللاعبين في ورشته. (راجع موضوع الأستاذ عبدالجبار سلام عن الفقيد في البروشور الذي أصدره نادي التلال الرياضي في أربعينية الحاج محمد عبدالعزيز).

شهادة أخرى للتاريخ يقدمها الكابتن أحمد محسن أحمد
الكابتن أحمد محسن أحمد، أحد فرسان ستينات القرن الماضي في مجال كرة القدم، وكان أحد كواكب نادي الجزيرة الرياضي بالمعلا (نادي شمسان الرياضي حالياً) عز عليه أن يمر تأبين الفقيد الحاج محمد عبدالعزيز أغبري دون أن يدلي بدلوه ويدخل مدخل صدق ووفاء للفقيد، وورد في شهادته للتاريخ أن الفقيد كان حريصاً على تشجيع كل مبدع من لاعبي كرة القدم، كما أفاد بأن الأحذية الكروية المشهورة «بوما» أو «أديداس» وكان يستوردها الطيب الذكر أحمد يوسف خان، كان الحاج محمد عبدالعزيز أغبري يبادر بحجز عدد من تلك الأحذية لأبرز لاعبي نادي الأحرار وغير نادي الأحرار وكان منهم الكابتن أحمد محسن أحمد.

يمضي الكابتن أحمد محسن في شهادته للتاريخ ليسرد المبادرة الطيبة للحاج محمد عبدالعزيز أغبري بمرافقة فريق المنتخب الوطني لعدن في رحلته إلى القاهرة عام 1964م، وكان جميع أعضاء البعثة الرياضية يحظون برعاية الحاج محمد، وكانت المناسبة أن التقى المنتخب الوطني لكرة القدم بعدن مع نادي الإسماعيلي المصري.

الحاج محمد عبدالعزيز لا يرضى عن الأحرار بديلاً
ظل الحاج محمد عبدالعزيز أغبري رئيساً وراعياً وأباً روحياً لنادي الأحرار الرياضي منذ عام التأسيس (1954) حتى عام دمج الأندية (1975) وأصبح نادي التلال الرياضي الإطار المشترك لأندية كريتر، وعرض على الحاج محمد عبدالعزيز رئاسة النادي الجديد، إلا أنه اعتذر، لأنه ارتبط وجدانياً باسم الأحرار وقد توارى ذلك الاسم وكان عليه أن يتوارى بالمقابل.

نادي التلال الرياضي يحتضن ذكرى أربعينية الفقيد
انتقل الحاج محمد عبدالعزيز أغبري إلى جوار ربه راضياً مرضياً في فجر الثلاثاء، الموافق 6مايو 2003م بمدينة تعز عن عمر ناهز الثالثة والثمانين بعد حياة حافلة بأعمال البر والإحسان مخلفاً وراءه سجلاً ناصعاً من الأعمال التي تراوحت بين العطاء والوفاء.

وبتلك المناسبة الخاصة أقام نادي التلال الرياضي ذكرى أربعينية الفقيد الحاج محمد عبدالعزيز أغبري كلمسة وفاء من قيادة وقواعد النادي العريق وذلك يوم الإثنين الموافق 16 يونيو 2003م، حيث صعد أ.د. صالح علي باصرة، رئيس جامعة عدن ورئيس نادي التلال الرياضي آنذاك إلى المنبر وألقى كلمة جسدت وفاء المحب وثناء المؤرخ على تلك الشخصية التي قل أن يجود الزمان بمثلها، واستعرض مشوار الفقيد الكفاحي والإبداعي والإنساني. (مرجع سابق- بروشور نادي التلال).

الحاج محمد.. رجل الوفاء وأي وفاء!
كانت معلا دكة موقع ورشة الحاج محمد عبدالعزيز أغبري وكذا موقع عدد كبير من المخازن التجارية، وكان أحدها يتولى الإشراف عليه السيد محسن أحمد بركات الذي ربطته علاقة ودية كبيرة بالحاج محمد عبدالعزيز، وامتدت تلك العلاقة إلى نادي الأحرار الرياضي وكان السيد محسن بركات، نائباً للحاج محمد عبدالعزيز، وكان السيد محسن بركات صاحب باع وذراع، إذ كان أميناً لمال نادي الاتحاد المحمدي ضمن أول هيئة إدارية منتخبة عام 1949م وهو الذي وصل إلى طريق مسدود مع رئيس النادي (ج.ع) وانسحب معه عدد من اللاعبين المرموقين أمثال: الموشجي والتمباكو وعبدالمجيد مرشد وجعفر مرشد ومصطفى سكران وغيرهم.

توفي السيد محسن بركات أواخر عام 1972م وعلم الحاج محمد عبدالعزيز بوفاة صديق عمره السيد محسن بركات وقام بزيارة أرملته وطلب من أفراد الأسرة مرافقته لزيارة قبر صديقه لقراءة الفاتحة والترحم على روحه وظل الحاج محمد يرعى أرملة صديقه حتى وفاتها رحمها الله ورحمه في يناير 1997 (شهادة قدمها لي نجله، صديقي العزيز الأستاذ علوي بركات).

للحاج محمد عبدالعزيز ولد واحد اسمه «علي» و(5) بنات.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى