مشاهد من بيدوا .. الرئيس لا يستطيع تسيير الأمور في الصومال والجيش الوليد يحتفل بغياب الإعلام

> «الأيام» عبدالواحد محمد:

>
مطار بيدوا .. جنود في زي عسكري يمني
مطار بيدوا .. جنود في زي عسكري يمني
ينتصب المقر الرئاسي للدولة الانتقالية الفيدرالية الصومالية في ركن يبعد عن المدينة نحو نصف الكيلومتر، ويحتل مساحة واسعة. في زاويته مبنيان من دور واحد هما المقر الرئاسي وسكن فخامة الأخ عبدالله يوسف أحمد، رئيس الجمهورية.

استطاع الرئيس عبدالله يوسف أن يكون رئيساً لجمهورية الصومال (الدولة الانتقالية) بمباركة الأمم المتحدة في حفل تنصيب شهدته كينيا في اكتوبر 2004م وحضره الأخ علي عبدالله صالح، رئيس الجمهورية.

وخلال هذه المدة قدر أن يبقى رئيساً للدولة المعلنة انطلاقاً من كينيا حتى حسم خلافه مع رئيس البرلمان شريف شيخ ادن في اتفاق عدن في الخامس من يناير 2006م فانتقل الى بيدوا في فبراير الماضي.

ويركز على الدول العربية في علاقاته وخاصة دول الجوار منها اليمن التي زارها مراراً وآخرها مشاركته في تجمع صنعاء الثالث بعدن 28-29 ديسمبر الماضي الذي فيه انضمت الصومال للتجمع.

لا يستطيع الرئيس تسيير الأمور في وضع كالصومال حرج لم يخرج من الحرب منذ 16 عاماً، ويشهد شبه مقاطعة عربية وترقباً، وكذا خيبة ظن أمريكية بعد نكستها في عملية إعادة الأمل عام 93م غير أن محاولات اغتياله الأخيرة في البرلمان لم تثنه عن المضي في طريقه.

ويتقاسم الحكم مع الترويكا التي يمثل كل واحد منها سلطة قبلية، وقبيلة الرئيس الصومالي هي دارود في اقليم بونت لاند شبه المستقل الذي كان حاكمه، كما كان زعيم حرب وصاحب نفوذ.

لا تستطيع أن تتجاهل ماذا يحيط بالمقر الرئاسي؟ أمامه شارع كله خراب وكأن قنبلة نووية سقطت عليه، وبين الخراب كان هناك مركز شرطة المدينة، أما أمام الخراب فيجلس باعة يفترشون الطريق يبيعون الشاي والسجائر الاحمر الكيني الرخيص لحراس المقر الرئاسي.

أما على الجهة اليمنى لسور الرئاسة فتنتصب أكثر من عشرة آلاف خيمة هشة من الكراتين أقامها أصحابها بصفة مؤقتة لسببين: الأول أن يكونوا على مقربة من المساعدات الغذائية في حال قدومها، وأن يستطيعوا التسول في المدينة، وثانياً هم هنا هرباً من معارك شهدتها قراهم. وقال أحدهم انه ترك بقرة وخرافاً وهرب.. والآن لم يعد يملك شيئاً، يخرج في الصباح ويعود بعد المغرب إلى خيمته.

يتذكر المواطنون هنا فشل خطته للإطاحة ببري في ابريل عام 1978م واضطراره للهرب الى اثيوبيا، كما يتذكرون بقاءه هناك بعد ذلك، وكيف أن منجستو هيلا ماريام سجنه 8 سنوات بإيعاز من سياد بري لكن في الأخير سقط بري من الحكم.

بدأ عبدالله يوسف في مطلع السبعينات يشعر بصحة تعتل وأصبح يسافر كثيراً إلى كينيا ولندن للعلاج، وقال مواطنون «نخشى عليه من شدة المرض نتيجة كبر سنه».

يقف اليوم الرئيس الصومالي في مفترق طرق، فلم تعد صحته تعينه، ولا المجتمع الدولي يعينه .. الدول العربية وعدته بالمساعدة في مؤتمر القمة العربية بالخرطوم وأرسلت بفتات.. سلطته ضعفت بفوز المحاكم غير المتوقع، لم يستطع بناء جيش يعتمد عليه خلال عشرة أشهر من حكمه داخل البلاد، كما لم تسع المحاكم للاستماع لصوت العقل الذي يمثله. وقد صمت طيلة فترة الأزمة مع المحاكم ولم يشارك في الجدل الساخن حول استقدام قوات دولية تعارضها المحاكم، ما يعني أنه يرحب بحضورها الذي به سيضاف للدولة تألق تفتقده في الساحة الدولية.

كان من دواعي سروري أن أحضر حفلاً خاصاً بالذكرى الـ 46 لتأسيس الجيش الصومالي بصفتي ممثلاً عن القناة الثانية، وهو حفل عقد في السابعة مساء .. وللتوقيت قصة.

قبل يومين من الحفل حضر إلى مقر البعثة الإعلامية قائد الجيش اسماعيل قائد ناجي (وهو من أصل يمني، وكان بالمناسبة قائداً للجيش في بيدوا عام 82م) يعتذر لانشغاله بإعداد الحفل ويدعونا لحضوره في الثالثة عصرا يوم الـ 12 من أبريل.

لكن في 12 ابريل حدث تبادل لإطلاق النار بين لصوص مسلحين يحاولون سرقة قوافل الإغاثة في بيدوا فقتل اثنان منهم كما قتل اثنان آخران من قبيلة الرحوين .. وغيّر ذلك من برنامجنا.

كنا في مقرنا وسمعنا إطلاق النار وحذرنا المرافق بأنه يحتمل أن يهجم رجال القبائل انتقاما لمقتل أبنائهم، فتغير موعد البرنامج إلى السابعة مساء وحضر مندوب عسكري لأخذنا.

لفت انتباهي في البرلمان أن حضور العسكريين كان كبيراً ولكن الزي يختلف بينهم إلى درجة تخال فيها أن هذا اجتماع لممثلي جيوش المحاربين القدامى.. وبرز الزي العسكري اليمني بين أزياء تعود لعهود سياد بري وأخرى من الدول الجارة. تحدث الجنرال عبدالرحمن محمد علي كوفوينا، وزير الدفاع في الحفل الخطابي ووجه تحيتين: الأولى لمؤسس الجيش الصومالي الجنرال عبدالله داود حرسي والأخرى لرئيس الجمهورية عبدالله يوسف على قيادته الجيش أثناء الحرب مع اثيوبيا عام 77م.

والطريف أنه كلما ألقى تحية تقاطعه الفرقة النحاسية بعزفها، واستمرت هكذا مع كل الخطباء بعده. وبدا العازفون كأنهم في ثياب العيد: خضراء اللون، جديدة، نظيفة ومكوية لكنهم لم يلقوا تحية لمحمد سياد بري الذي يحنون لعهده الآمن المستقر، فقد اجتمعوا هنا على أساس مخاصمته وإزاحته.

كان الحضور النسائي كبيراً وأجمل ما شاهدته أن فرق إنشاد ورقص من الجنسين ظهرت على المسرح تغني وترقص وخلفهم ثلاث صور للترويكا رمز الوفاق الجديد في الصومال الوليد.

المقر الرئاسي وأمامه خراب الحرب
المقر الرئاسي وأمامه خراب الحرب
ارتدى المؤدون على المسرح ثياباً متناسقة اللون والشكل، وغنت الشابات ومعهن الشباب، وسألت جاري - الذي عرّف عن نفسه بأنه من ردفان في لحج وأنه رئيس الجالية اليمنية هنا - بأن يترجم الأغاني، فقال إنهم يغنون عن الحب، السلام، والصومال، ورمى بكلمات غير مترابطة باللغتين المحاتيري والعربية فقلت له (واجرتي)، احسنت أي (مفهوم، شكراً) لكنني بدون جهد كبير فهمت أن هذه العبارة المرسومة على جدار البرلمان تعني تحية دائمة لـ 12 ابريل وتقول: Hanoolaoto Hana Waarto 12ka Abrill

شعرت بالفرح من طريقة الاداء الصومالي وتذكرت إبراهيم جامع، زميلي في المدرسة، حين كان يدعوني لمنزل أهله في الشيخ عثمان، ويسمعني أغاني صومالية ممتعة.

كان قادة الجيش يتوقعون حضور وسائل الإعلام، لكنهم دُعوا دون أن يلبوا فلبينا نحن. لعل رسالة الاحتفال كانت موجهة للداخل غير أن الانتصار اللاحق غير المتوقع للمحاكم الإسلامية أضعف من مكانة الترويكا الدولية وبين الصومالين. وبعد حين بعث سلوك المحاكم برسائل تنقصها رجاحة العقل الموجودة في بيدوا.

يبلغ عدد الجيش حوالي 45 ألف جندي معظمهم بدون راتب أو معسكرات، فقد تم جمعهم من المليشيات التي تعيث فساداً في الأرض، وقد بدأت خطوة تأسيس الجيش مع مجيء الترويكا إلى الصومال من الخارج في السابع من فبراير. واليوم يدخل الجيش الوليد شهره العاشر وهو يواجه تهديداً لا يستطيع إزاحته عن طريقه.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى