نصيحة مباركية

> سحر بعاصيري:

>
سحر بعاصيري
سحر بعاصيري
آخر تجليات الديموقراطية "النظامية" المصرية، وتحديدا تجليات الرئيس حسني مبارك، نصيحة اسداها الى الرئيس فلاديمير بوتين الذي يقف على اعتاب نهاية ولايته الثانية الاخيرة: لا تستمع الى احد وابق رئيسا.

هذا الملخّص. لكن قيمة النصيحة تكمن في منطقها المتكامل اذ يبدو ان مبارك ضمّنه عصارة مفهومه للديموقراطية والدستور وما يتبعهما، وقد حرص على توجيهها عبر صحيفة روسية عشية توجهه الى موسكو تمهيدا لاسدائها مباشرة الى بوتين عندما يلـتقيه.

قال للروس: "دستوركم الذي لا يسمح بسوى ولايتين مستوحى من الاميركيين. انتم تنتقدون الاميركيين لكنكم تقلدونهم. فهل انتم تفتحون الباب ام تغلقونه؟ يجب ان تحزموا أمركم. روسيا في حاجة الى بوتين". وسئل عما يجب ان يفعله بوتين فأجاب: "يجب الا يستمع الى احد وان يبقى من اجل مصلحة البلد. هو ملمّ جدا بالوضع في روسيا وفي العالم. ويفهم كل شيء. فليبق".

صحيح ان بوتين بدأ من الآن التفكير في مستقبله السياسي خصوصا ان الدستور لا يسمح له بولاية ثالثة متتالية وهو لا يزال في منتصف خمسيناته. وصحيح ايضا انه اعلن نيته التنحي عندما تنتهي ولايته الثانية في 2008 والاحتفاظ بدور "مؤثر"، الا انه يحاول الاستمرار عبر اختيار خليفته لان شعبيته وسيطرته على وسائل الاعلام ستضمنان فوز من يرشحه وتاليا تضمن ولاء الفائز له.

ولكن لم هذا اللف والدوران؟ قد يفيد بوتين "الاستماع" الى نصيحة مبارك لانها ليست اي نصيحة. فهي صادرة عن رئيس يحكم بلاده منذ 25 عاما ويمضي الان فترة ولايته الخامسة التي يفترض ان يتمم بها 30 سنة في الحكم، ولا يرى في ذلك اي حرج لا دستوريا ولا ديموقراطيا. فاذا كان عائق البقاء في الحكم دستوريا فان اسهل الحلول التعديل. واذا لم يكن البقاء في الحكم مدى الحياة او ما شابه (ولا نتحدث هنا عن التوريث) ديموقراطيا فهذه وجهة نظر.

السبب؟ لا مجال للتشكيك في ديموقراطية مبارك. الم يدخل تعديلا دستوريا العام الماضي سمح بانتخاب الرئيس من بين اكثر من مرشح بدل الاستفتاءات السابقة على رئاسته؟ والا يكفي انه اسدى نصيحته الى بوتين في اليوم الذي اعلن فيه عزمه على تعديل مادة في الدستور لتخفيف القيود المشددة جدا على الترشح للرئاسة (ولا نتحدث هنا ايضا عن تسهيل التوريث او، لنقل، عن انتخاب الرجل المؤهل الذي يكون ابنه)؟

مبارك بحكم التجربة ادرى بقدرة الشعوب على استيعاب الديموقراطية وبقدرة الحكام على تفصيل النماذج التي تلائم الانظمة ومصالحها وطبعا مصالح شعوبها. والاهم من هذه وتلك هو الاستخفاف بالنصوص الدستورية والانطلاق من انها مادة لخدمة الرئيس الذي "يجب ان يبقى". فهل يعقل ان يبقى اي رئيس ولايتين فقط؟

انها بعض من خصائص "الديموقراطية المباركية"، ليس لانها تختلف عن نماذج "ديموقراطية" يرسيها حكام عرب آخرون، بل لان صاحبها يبدو مقتنعا فعلا بأنها نموذج ناجح الى درجة تجعله قابلا للتصدير.

يبقى ان نرى ما اذا كان بوتين سيأخذ بالنصيحة.

عن «النهار» اللبنانية 31 أكتوبر 2006

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى