الفجر المحترق..ديوان لنجيب العمري

> «الأيام» عمر عوض خريض:

> ربما لم يسمع أكثر أهل بلادنا بمدينة التحيتا، ولم يعرفوا بعد بأنها مدينة يمنية عريقة تزدهي بترابها وناسها، وتراثها وعراقتها، فأما أنا فقد عرفت بعض أبنائها النجباء، وعرفت منهم القليل من الكثير عن مدينتهم العامرة، واطلعت على بعض نتائج أفكارهم وثقافاتهم وإبداعاتهم الشعرية بالذات، ولعل الأستاذ أحمد محمود سالم هو العارف الخبير بهذه المدينة ومبدعيها، فهو الذي يستهل في تقديمه لديوان المعمري بوصفه وقوله (مدينة التحيتا.. عاصمة مديرية التحيتا الفتية وإحدى رئتي زبيد كما كانت ولاتزال وسر ياقوس اليمن الاشرافي.. مدينة التحيتا.. هذه المدينة الصغيرة بمساحاتها.. الكبيرة بعطاءات نجبائها دائما.. عندما تهدي المشهد الإبداعي اليمني المعاصر ديوان شعر لمبدع في مستوى الشاعر نجيب المعمري.. ماذا تريد أن تقول؟). إذن فمن هو هذا الشاعر أولا قبل ديوانه، يحق لنا أن نتعرف عليه ونعرف به، هو الشاعر نجيب عياش فرج المعمري ولد عام 1968م بمدينة التحيتا، ودرس بمدارسها الابتدائية والإعدادية والثانوية، وتتلمذ على مشايخها، وخصوصا الشيخ أهيف سالم الأهيف والشيخ عبدالمغيث المزجاجي، وهما من نحاة تهامة المشهورين، ثم حصل على ليسانس آداب جامعة العلوم والتكنولوجيا، ويعمل مدرساً في مدارس التحيتا، أول دواوينه هو (الفجر المحترق) الصادر عن وزارة الثقافة والسياحة في عام 2004م ويحتوي بين دفتيه ثلاثاً وعشرين قصيدة منها المقفى الموزون والحر ذو التفعيلة، ولعلنا نتساءل ما الفجر المحترق، ولماذا هو محترق؟ وماذا يريد أن يقول لنا من خلال هذا الفجر المحترق، ونجد في الديوان القصيدة العنوان (الفجر المحترق) ومنها نستشف مكنون ذلك الفجر، ونعرف سبب ومدى احتراقه، يقول فيها:

أنا في ربيع العمر مصلوب

وجرحي ما نطق

الأغنيات على فمي يبست

الأمنيات تحشرجت وذوت

***

دمعي دمي حلمي ربيعي الغض

بالصيف اختنق

ما عاد لي فجر يونس وحشتي

فجري عوى مني

وبالبعد احترق.

هذه المرافعة التي يقدمها لنا الشاعر لا تشفي صدورنا ولا ترضي قناعاتنا، ولكننا نعرف من خلالها أن ذلك الفجر ما هو إلا الشاعر ذاته، ولعله هنا يتباكى على ذلك الفجر الغض أو يعلن تأبينه، ولكن ما الذي أدى إلى هذه القناعات ولماذا ذوت هذه الأحلام، ولماذا صلب الشاعر في ربيع العمر، أعتقد أنه الهم السياسي الذي طوح بشاعرنا واستهلك قواه، فهو شاعر يحمل بين جنبيه وطناً، وأياً ما كان ذلك الوطن بثقله كله فالشاعر ينوء بحمله، إذ يحمله هما وشجنا وأملا يرقى به إلى درجة اليقين، ومن أجله يناضل ويقاتل بالكلمة الرصاصة والحرف المتوهج، وهو في قصيدته (في بلادي) لا يكاد يبقي على شيء، يضع الأوراق كلها مكشوفة بلا خوف ولا رهبة، ففيها يقول:

في بلادي يكثر القهر/ وتغتال الحقيقة

في الدهاليز يعيث العابثون /يركبون البحر مكرا

ويخيطون من التضليل /جسرا وعليه يعبرون

نحو أهداف لهم سفلى/صفيقة

كذبهم في كل ميدان ودار/كلصوص الليل/من خلف الجدار

يمتطون بخطوات رقيقة

وأياديهم تحوك الغدر ليلاً/وإذا الصبح أتى فهي صديقة

يلعنون الفجر في طلعته/ ويخونون ويبتزون عدواناً بريقه

يخدعون الأبرياء/ ويضلون نفوس الضعفاء

ولهم في المكر/ أنساب عريقة

الإذاعات لهم.. والإشاعات/غدت من فعلهم/ مثل الحريقة

آه لم أبصرتهم/كنت كم احقرتهم/كيف ينسابون أفعى في الصفوف

يهرمون البيت حقداً والسقوف/ ويضلون الألوف

يشربون الزيف من بئر عميقة.

ذلك الغضب المتمرد والبركان الثائر في صدر شاعرنا يمتد عابراً لحدود بلاده متخطيا عوائق التقوقع والانعزال، فهموم الوطن العربي الأكبر تستأثر بشق من شعره واهتماماته، ففي اغتيال شهيد الأمة الشيخ أحمد ياسين يكتب قصيدته (جمرات لا عبرات) يبثها الكثير مما يعتلج في صدره المحترق أيضاً:

أرحل فأنا جيفة شرقية

قد غالها التهديد والتلقين

ما أنت بالمشلول يا طود الفدا

أنا هنا المشلول والمطعون

العاجزون هم الزعامات التي

تسبي وتسرق شعبها وتخون

تلك الحكوكمات التي من شرعها

سوط وظلم غيهب وسجون

حكامنا خطبوا السلام تأمركوا

خطبوا العجوز وبيتها طاعون

ولاتزال قضيته هي قضية أمته ينافح عنها بكل ما أوتي من بيان يسكبه شعرا يهز به ويزلزل أركان القلوب، ففي (تلاشي) يبكي العراق ويندب الأمة من خلاله، يقول فيها:

عادت الصلبان أرض الرافدين

تحمل التنكيل شتى

حددت شكلا ووقتا

غرست في مجلس الأمن لها

صيتا وصوتا

عرضت بالبيت من خالفها

قطع اليدين..

وإلى آخر هذه القصيدة. ذلك الصوت الثائر يتردد على مجمل قصائد الديوان فمنها (عشاق المجد، ويوسف.. وإخوته، والسفر إلى المجد، وارفع جبينك) ولم يكن الحب ودواعيه عصيا على ذلك القلب، فهو الحي النابض، العاشق للجمال، المأسور لجلاله، المتعبد في محرابه، نسمعه في قصيدته (معبد الحب) طروباً والها:

من نبع الفتنة والنور

قد همت وقد ذاب شعوري

رتلت تعاويذي نغما

أطرقت وأحرقت بخوري

قرباني خفقان فوادي

ودماء العشاق نذوري

وصلاتي همسي في حبي

هيمان القلب الممطور

ونقرأ أيضاُ من قصائد الحب (حنين، موعد الهوى، شادي الآمال، وغيرها) ذلكم هو نجيب المعمري الشاعر الموهوب وتلكم هي قصائده ولعل قراءة عابرة لا تكفيها ولا توفيها حقها ولكن حسبنا الإشارة والإشادة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى