«مدنيتهم وخلاصنا» أو «استقلال الهند»

> علي محمد يحيى:

> مما نجهله نحن العرب أن للمهاتما غاندي، زعيم الهند الروحي، مجموعة من المؤلفات لم تحظ لغتنا العربية حتى يومنا هذا بترجمة كاملة لكل تلك المؤلفات، وبالأخص مؤلفه النفيس الذي لم يطلع عليه منا إلا أقل القليل من مثقفينا ممن يجيدون لغة غير لغتهم العربية، وأقصد مؤلفه «تجاربي في البحث عن الحقيقة» الذي روى به سيرة حياته، واعتُد به كرائعة من الروائع العالمية في فلسفة صفاء الفكر وسموه.

أما كتابه الذي نحن بصدده في هذه المقالة، فأقصد به كتاب بعنوان «مدنيتهم وخلاصنا» وهي ترجمة اصطلاحية للعنوان الأصلي «هند سوراج» وللعنوان الانجليزيINDIA INDEPENDENCE والتي تعني حرفياً (استقلال الهند) فقد طوى على هذا المؤلف النسيان خاصة عند الغرب، لأنه تناول فيه المدنية الغربية متحاملاً عليها فاضحاً واقعها المستتر وراء مكياج الدعاية، ولم ينس أن يضمنه بعض شؤون بلاده وحركتها الوطنية آنذاك.

وللمهاتما موهنداس كرشمند - غاندي- مع كل كتاب من الكتب التي ألفها قصة تتصل بحياته اتصالاً وثيقاً وترتبط بسيرته الخاصة كرجل هندي، وبسيرته العامة كزعيم من الزعماء وقطب من أقطاب السياسة، ومفكر من كبار المفكرين. وأهم ما في حياة غاندي الأولى من أحداث أنه تمرد على أهله وسافر إلى بريطانيا رغماً عن إرادتهم ليدرس القانون في إحدى جامعاتها.

والحادثة الثانية أنه انتقل من بريطانيا حيث لبس البذلة الغربية - العصرية - ووضع على رأسه القبعة الطويلة، ورقص رقصة «البولكا» وظهر على أفضل ما يظهر به الرجل العصري الـ.GENTEL MAN

انتقل إلى جنوب افريقيا حيث عاش مع الجالية الهندية هناك، وكانت جالية كبيرة، يزاول فيها مهنته الجديدة التي درسها في بريطانيا.

وفي أثناء سفره من (لندن) إلى (جوهانسبرج) وضع كتابه هذا يناقش فيه التعاليم التي كانت تسود ذلك العصر وهي في مجملها «عنيفة» تؤمن بالقوة وتدعو إليها ولا ترى حلاً للقضايا الإنسانية إلا عن طريقها.

بريطانيا في ذلك الزمن كانت مفتونة بالفلسفة الألمانية، والعقل الألماني، مأخوذة بما تحقق للألمان من نجاح في ميدان الصناعة والثقافة.

وكان فيلسوفها (نيتشه) فيلسوف القوة وإرادة القوة على رأس المفكرين الذين انتشرت أفكارهم في معظم أقطار العالم إن لم يكن في كلها.. فكانت ردة الفعل عند غاندي أن وضع كتابه هذا لمقاومة «القوة والعنف» وإدانة المدنية العصرية، ونشره في سلسلة مقالات باللغة الهندية في صحيفة INDIA OPINION ثم في كتاب مكتمل.

فلم تسمح حكومة بومباي بانتشاره- وحكومة بومباي كانت إدارة بريطانية لمستعمرة الهند - فما كان من غاندي إلا أن ترجمه بنفسه إلى الإنجليزية ليطلع عليه أصدقاؤه في بريطانيا متحدياً بذلك «حكومة الهند البريطانية» فأخذ الكتاب ينتشر حتى ذاع في بريطانيا كلها. وضع غاندي فكرة الكتاب بشكل حوار بين شخصين «المؤلف والقارئ» تماماً كما فعل أفلاطون حينما كان يضع محاوراته لبيان آرائه وأفكاره الاجتماعية والسياسية والأخلاقية والفلسفية.

قضية استقلال بلاده (الهند) ارتبطت بها أوثق ارتباط كل مؤلفاته وخصوصاً مؤلفه هذا.

الذي جاء في خاتمة فصوله «خلاص الهند» أنه لن يكون خلاص الهند باصطناع المدنية الغربية، وإنما في أن يفهم الشعب الهندي مساوئ هذه المدنية.

وأن يدرك عيوب الشخصية الغربية وأن يعود إلى ثقافته وحضارته فهما أفضل من ثقافة الغرب وحضارته.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى