اعراس بلقيس واوراق مسافر بين الصحافة والشعر

> «الأيام» عبدالرحمن إبراهيم:

> محمد حمود أحمد، شاعر مقتدر، لغة وصورة وأسلوباً، وله مميزاته الخاصة التي تختلف عن الآخرين، ومن الطبيعي أن يكون له تأثير في الآخرين,شاعر أخلص للصحافة، والصحافة قاتلة، قد تقتل المبدعين سواء في مجال القصة أو الشعر أو غيرهما من الفنون، كما قتلت قاصنا المبدع كمال الدين محمد.

فتأخر نشر مجموعته الشعرية عندما كان سبعينياً وكان منتمياً إلينا. هذا الشاعر منتم لجيل السبعينات ولكنه اشتهر في الثمانينات وحوله دارت الدوائر، وما أصعب أن تدور الدوائر على أحد من شعرائنا أو مبدعينا الذين لهم تأثير في الحركة الأدبية والثقافية. إنه ليس نبتة شيطانية. فكما هو واحد منا كتب الشعر وتخفى تحت جناح الصحافة، والصحافة لا ترحم أحداً: إنه لا ينتهي ويبتدئ من جديد ليقول الشعر:

وأكتب اسمك لا ينمحي

بضوء المصابيح، بالخفقات

فشدّي رحالك وارتحلي في دمي

وإني شريد بدون بقاء ودون رحيل

وإن كان دربي طويلا وعمري سيمضي

على راحتيك، نحو الافول

سأمضي إليك

وأمامي الآن مجموعته الشعرية «أعراس بلقيس» أريد أن أتحدث عنها بإيجاز قليل لأن التقدمة أو المقدمة قد تأخذ حيزاً أكبر:

الشعر خطاب إنساني يعانق العالم ومن حق الشاعر أن يقول ما يريد أن يقول. وفي شعر محمد حمود قضايا إنسانية وقومية ووجدانية. من الصعب أن نتحدث عنها في هذه التقدمة. ولا أبالغ عن صديقي وأخي الشاعر محمد حمود أحمد، فتلك مسألة متروكة للنقاد النابهين. في كل كلمة يقولها تحس أنها نابعة من القلب حتى في وجدانياته.

محمد محمود ليس شاعراً سهلاً إنه في صوره ومعانيه يعبر عن الدنيا، عن الإنسانية. فأنا أترك الوجدانيات والعواطف الجياشة.. محمد محمود شاعر بامتياز وله قصائد تؤكد ذلك، كما قرأته أنا بنفسي. إنه يكتب عمود الشعر والقصيدة التفعيلية بنفس درجة الاقتدار. في مقطع يقول:

«كان مقعده حافة الانهيار

لم يكن صامتاً.. في شرايينه

لوعة الانكسار

وغيّبه اتساع المسافات بين دويّ

اصطراع المصالح، وبين ضوء النشيد

ما الذي نابه في دورة الدم والموت

غير غبار الرصاصات، رماد النهارات

واغتراب المجالس، فأغمد أصواته وانزوى في الظلام»

محمد حمود شاعر يمتلئ بهواجس وخواطر مشحونة بالتنغيم. وتشعر بالتنغيم، وللشعر تنغيم بقدر ما هو انعكاس لأفكار ومعان، وهذا الشعر تمليه عليه خواطره. الشعر هو في التحليل الأخير معان ولذة.. وقليلون هم الذين يكتبون عن اللذة.. وهنا نترك الجو لما يمكن أن نسميه هواجسه. الشعر هنا خواطر واشتباكات روحية، وهذا ما نجده عندما نقرأ هذا المقطع:

«حين يصير القاتل والمقتول ضحية

والقاتل يشرب كأساً في قصره وينام

يتنفس هذا العالم جرحاً ودماً.

بيروت تموتُ، وكل أغانينا تنوح على المبكى وعلى بعلبك»

وحين نتأمل قصائده - ولو أنني ابتدأت بقصائده التفعيلية ومنها هذه الحوارية:

«هل قرأت البيان؟

قال لي ضاحكاً: انتصار جديد

في سجل السلام!

فضحكنا معاً، وبكينا معاً

غير أن ضحكنا ذاب دمعاً

وتناقشنا كثيراً غير أن حديثنا

صار صمتا ،

وتصفحنا مقالات الصحف، غير أنا

لم نجد غير أسماء الصحف!»

عندما نمعن النظر في هذه الأسطر وما فيها من صور نلمس أن ثمة مزايا كثيرة مع الحفاظ على العمق مع البساطة، حيث لا نحس في بنيويتها ولا تركيبتها بأن الشاعر يتكلف في قصده إلى المعاجم لاسترجاع الكلمات، إنها تعبر عن ضجيج الحياة المحموم وهديره اليومي المغتسل بماء الأرض وصحراواتها.. إنها كلمات لا تنزلق تبعثراتها وحشيتها المكابرة. إنها صور أليفة في متناول اليد واللسان.

إنها تجيش بالحنان ولا تتخشب على حد تعبير الجاحظ. وما يلفت نظري أن الشاعر يجيد توظيف البحور الشعرية المختلفة لهذا أجدني أتعب وأنا أقرأ شعر محمد حمود في تداخلاته الوزنية واستخداماته البحور الشعرية.

وهذا يدل بوضوح على إجادته قواعد اللعبة الإيقاعية باقتدار، حيث يتقصد الحروف والكلمات والتعابير لتركب نصاً أحادياً يعبر أو يفصح عن موسيقى الشعر - المتعارف عليه بالموسيقى الداخلية والخارجية.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى