اينشتاين راسب في الثانوية!

> محمد سالم قطن:

>
محمد سالم قطن
محمد سالم قطن
{الحمد لله الذي خلق السموات والأرض، وجعل الظلمات والنور، ثم الذين كفروا بربهم يعدلون} هذه هي الآية الافتتاحية لسورة الأنعام في القرآن الكريم. وهي بعبارتها البليغة وكلماتها القليلة تلخص أروع النظريات العلمية، وأكثرها تأثيراً، ألا وهي نظرية النسبية، التي اهتدى إليها عملاق الفيزياء والرياضيات (البرت اينشتاين) مطلع القرن العشرين.

ثنائية المكان والزمان، أليست السموات والأرض هما المكان، كل المكان، في هذا الكون الفسيح؟ والزمن، هو في حقيقته، كر الليل والنهار. إنه الضوء، وما أدراك ما سرعة الضوء؟ وكيف تمخضت المعادلات الرياضية وحسابات ميكانيكا الكم، وما أسفرت عنه المعادلة الشهيرة لاختصار المسافة الرهيبة بين المادة والطاقة بضرب كتلة المادة في مربع سرعة الضوء، وهي المعادلة التي رأيتها مكتوبة بأعرض الخطوط وأوضحها على سطح مدرج حاملة الطائرات الأمريكية (انتربرايز) في الصورة التي نشرتها صحيفتنا «الأيام» على صدر صفحتها الأولى في عددها ليوم الإثنين الماضي 30 أكتوبر المنصرم بمناسبة الزيارة التي قامت بها قيادة وزارة الدفاع في بلادنا إلى هذه الحاملة العملاقة أواخر الشهر الماضي.

اينشتاين هذا، كان مصاباً بـ (الدسلكسيا) وهو مرض من الأمراض العصبية الخفية. ولكن حظه وحظ البشرية أنه تلقى تعليمه في بلد متقدم، هي ألمانيا. ولو كان عندنا أو عند غيرنا من المتخلفين، لسخر منه معلموه ووصموه بالغباء والكسل، ولربما كان يرسب في اختبارات التوجيهي وامتحانات الثانوية العامة.

فقد أشار مؤرخو حياة هذا العالم الفذ إلى فاصل حاسم في مسيرة اينشتاين الدراسية عندما كان مصحح أوراق إجاباته لامتحان التوجيهي (الثانوي)، لمواد الفيزياء والرياضيات، وهو تربوي ضليع على قدر كبير من تقدير المسؤولية عن تبعات ما يقوم به، وليس ممن يستأجر لتصحيح الأوراق (بالقطعة) كما هو حاصل في البلدان المتخلفة، قد لاحظ تميز إجابات هذا التلميذ وتقديمه حلولاً متعددة لمسائل الاختبار وبطرق متنوعة. وعندما سأل زملاءه المصححين عن مستوى إجابات هذا التلميذ في المواد الاخرى صدم للنتيجة القاسية. وسرعان ما كتب ذلك التربوي القدير تقريراً عاجلاً مرفقاً به أوراق إجابات اينشتاين المتميزة في هاتين المادتين (الفيزياء والرياضيات). ولأنهم في العالم المتقدم، لا يعرفون مبدأ (ماليش دعوى) فقد جاءت الموافقة ليحصل اينشتاين على التوجيهية في العام التالي، بعد أن هيأوا له اختباراً في المواد الأدبية على قدر من التوافق مع قدرات تلميذ مصاب بالديسلكسيا، المعروف عنها أنها تحد من قدرات الإملاء والنطق، وبالتالي ينفتح له الطريق لاستكمال دراسته للفيزياء في الجامعة ويتوصل في عام 1905 لنظرية النسبية الخاصة وبعدها بسنوات لنظرية النسبية العامة ،التي أحدثت ثورة علمية لا يزال صداها يتردد مع كل إنجاز علمي وتقني جديد.

يرثى للبلدان المتخلفة التي حاولت التقدم فلم تفلح. ليس الفساد المستشرى وحده هو السبب. فكم من موهبة دفنت، تحت معاول البيروقراطية والمحسوبية والغش والتسييس البليد.

لماذا لم يظهر فاروق الباز ويحيى المشد وأخيراً أحمد زويل وتبرز قدراتهم العلمية إلا بعد أن هاجروا وتركوا وطنهم اضطراراً نحو الحرية في بلدان الغرب. آلاف الكوادر العلمية الحقة هجرت أوطانها هرباً من المكايدات وتسلط الادعياء.

وكم كان شاعرنا العربي الكبير نزار قباني رحمه الله صادقاً عندما قال في إحدى تجلياته: ابحث عن العلماء العرب الحقيقيين في جامعات الغرب، أما أساتذة الجامعات في العواصم العربية فلا يزيدون عن كونهم كادرات الأحزاب الحاكمة. الوساطة والمحسوبية يقفان وراء كثير من التعيينات.. لكن العالم الحقيقي والأستاذ الحقيقي لا يصنعه فرمان سلطاني أو أمر ملكي أو مرسوم رئاسي أو قرار وزاري!!

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى