تمثال الملكة فيكتوريا الذي يحتضر

> علي محمد يحيى:

>
علي محمد يحيى
علي محمد يحيى
الاستعمار مهما كانت مساوئه، فإنه قد ولى وانتهى، ولم يعد لأي شعب استعمر، من ذكراه سوى التاريخ والشواهد، وهما ركيزتان ضرورتيان في فهم ودراسة وتقييم حقب الاستعمار في أي بلد كان وكذلك تأثيراته عليه.

فالتاريخ كما نعلم إنما هو ترجمة لمزيج من الأحداث، فيها ما يسر وفيها ما يحزن، ولا عيب ولا ضير أيضاً من أن نحتفظ في عقولنا وأفئدتنا بتاريخه الذي هو جزء من تاريخنا بما فيه من مساوئ ومنافع. كذلك هو الحال في الشواهد التي استقرت وترسخت خلال السنوات الطوال كمعالم تتطابق مع أحداث التاريخ.

وعدن بمدنها وضواحيها وحدائقها وحواريها وأزقتها قد سجلت فيها الكثير من المعالم التي جسدت مرحلة قوامها (129) عاماً من تاريخها - كمستعمرة - تمثلت شواهدها في كثير من الأبنية والحدائق والأسواق والمؤسسات الثقافية، والنصب التذكارية والتماثيل وغيرها. واليوم لم يعد لنا ما يمكن ذكره من تلك المعالم سوى ما يمكن تعداده بأقل من عدد أصابع اليد الواحدة.

أثار هذه القضية الفنان الأستاذ جميل الكمراني مدير إدارة الديكور بتلفزيون القناة الثانية، عدن خلال حديث ذي شجون كان بدأه بتساؤلات في حديث دار بينه وبين الإعلامي الأستاذ حسن مطر، الذي كان حتى وقت قريب يشغل رئاسة قسم البرامج الفرنسية بإذاعة البرنامج الثاني عدن، ومن تلك التساؤلات ماذا لو أراد أحد السياح الأجانب أن يتوقف ويتعرف على بعض معالم العهد البريطاني في هذه المدينة الجميلة السياحية.. فإلى أين يمكننا أن نشير له به؟؟ ربما لن يصدق بأن عدن لم تعد تتميز بأي من تلك المعالم التي قد تخيّل وجودها، أو بالأصح لم يعد فيها شيء منها يذكر بعد أن طمس بعضها، ودمر البعض الآخر عن قصد أو عن غير قصد، بسوء نية أو بحسنها من منطلق ازالة بقايا البعض آثار الاستعمار والذي هو في الحقيقة إزالة معالم وشواهد تاريخية لحقبة تزيد على مائة عام ونيف. وفيما ورد فإننا قد نختلف حوله، وقد نتفق أيضاً، فليس ذلك هو بيت القصيد بشأن الرأي والرأي الآخر، بل هو فيما تبقى لنا من معالم جميلة خلفها لنا الاستعمار لا تقدر بأرقام تاريخياً ومادياً فلم يعد لدينا منها ماثلاً سوى ساعة جبل التواهي LETTLE BIG PEN أو مسلة جولة الشيخ عثمان المعروفة بجولة الراوحي وهي نصب يشير إلى تاريخ دخول أول فرقة عسكرية بريطانية إلى المدينة بعد شرائها، وكذلك التمثال النادر جداً الذي ليس له مثيل غير نسخة أخرى في مدينة لندن العاصمة البريطانية لأشهر ملكات عصرها التي استعمرت جيوشها معظم بقاع العالم هي الملكة فكتوريا وتمثالها الرابض في إحدى حدائق مدينة التواهي المهجورة المنسية.

ولو عُرض هذه التمثال في النشرات السياحية لمدينة عدن الكبرى لرأى المسؤولون أهمية رغبة السياح بمشاهدته والاطلاع على تاريخه المنسي. ولا حرج لو قلت إن هناك الكثير من المعالم التاريخية والسياحية المنسية المهملة وهي كثيرة جداً إذا ما أردنا حصرها بدءاً ببوابة السياح (بدكة الأبكاري) وهي قاعة فسيحة من العهد الفيكتوري تعرضت لكثير من التشوهات وانتزع من وسطها نصب نادر جداً وثمين جداً لقارب من خشب الزان الغالي الثمن يسمح للسياح بالتبرع من خلال صندوق في بطن القارب للمؤسسات الخيرية والإنسانية بالعملات الأجنبية، وانتهاء بالكنيسة الإنجليزية في أعلى تلة على مدخل مدينة كريتر من جهة الغرب والتي كانت معروفة بالمجلس التشريعي. وكل ما تحتاج إليه هذه المعالم والشواهد قناعتنا وإيماننا بتاريخنا، ورغبتنا الصادقة في الحفاظ عليها كي تبقى لنا ولأجيالنا وللإنسانية رمزاً وتراثاً وتاريخاً.

أما آخر ما يدور في الدهاليز فهو أن هناك نية عارمة (لتحديث أسواق مدينة الشيخ عثمان التاريخية) التي تمتد من محاذاة مسجد النور وتنتهي بمركز شرطة الشيخ عثمان، من خلال هدمها وإزالة معالمها وتاريخ تأسيسها كي تقام على أنقاضها (أسواق حديثة). هكذا تلقيت (النبأ) من الأستاذ محمد طه القرشي، حين تحدث إلي وكله ألم وحسرة فيما لو كانت تلك الإشاعة التي سمعها حقيقة هي مراميها وأبعادها لا سمح الله.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى