يوسف حسن السعيدي .. مربي العقول والأبدان

> فاروق لقمان:

>
فاروق لقمان
فاروق لقمان
لا أدري إن كان الزميل العزيز نجيب يابلي قد ضمن «ذاكرة الأيام» الرائعة مربي الأجيال الأستاذ القدير يوسف حسن السعيدي أطال الله عمره في صحة وعافية. وكنت قد تحدثت مع الأخ اليابلي مراراً مشجعاً ومحرضاً على إعداد مقالات الذاكرة لإصدارها في كتاب أو أكثر لتثري المكتبة اليمنية بتاريخ بعض أبرز رجالات اليمن في القرن العشرين، لأنه أبدع في دراساته وأمتع قراءه وأنصف الرجال الذين تناول حياتهم بقلمه الرشيق وبحثه الدؤوب.

ولد يوسف في عدن عام 1917م ودرس فيها حتى شب عن الطوق وكان ضمن أول بعثة دراسية رتبها نادي الأدب العربي في الميدان بكريتر نتيجة لجهود قادته ومنهم الوالد محمد علي لقمان رحمه الله، الذي كتب باسم النادي إلى ملك العراق غازي والد الملك فيصل الثاني الذي قتله الانقلابيون عام 1958م بقيادة عبدالكريم قاسم، الذي قضى على كل أفراد الأسرة المالكة هناك إلا واحداً لا يزال يقيم في لندن ويطالب بالعودة إلى العرش، ورافق الأستاذ يوسف كل من عبدالرحيم لقمان وحامد عبدالله خليفة وحسين علي بيومي ومحمد خليل اليناعي وأحد الإخوة اللحجيين لا تسعفني الذاكرة باسمه حالياً وآخرون عادوا إلى عدن بعد نيل شهادة كانت تسمى بالفرنسية البكالوريا كما الثانوية العامة حالياً، وكانت أعلى درجة يطمح اليها الشاب آنذاك إذا كان محظوظاً ومثابراً للغاية. أغلبهم درسوا التربية وأسهموا كثيراً في تعليم جيلنا والأجيال التي لحقتنا في مدارس السيلة بكريتر والتواهي والشيخ عثمان ولحج، ومنهم الأستاذ يوسف الذي تميز بحيوية بالغة وصحة عارمة وشغف بالرياضة البدنية والامتناع عن التدخين ومضع القات طيلة حياته.

ولما قررت الحكومة ابتعاث مجموعة من المدرسين إلى بريطانيا عام 1948م كان الأستاذ يوسف أول شاب يمني يرشح لدراسة التربية البدنية كعلم مستقل في الدراسات العليا في كلية شوردتش الواقعة خارج لندن، التي قضى فيها عامين وزامله صديق عمره لكن في مجال الفنون التشكيلية السيد حامد بن محمد الصافي رحمه الله، ولما عاد انخرط في سلك التدريس وعينته إدارة المعارف أستاذا للتربية البدنية لكل مدارس المستعمرة ابتداءًَ من عام 1950م، ولما كنت أعمل مدرساً ناشئاً ومؤقتاً في مدرسة السيلة عام 1953م تحت رعاية مديرها السيد محمد الباقر قبيل السفر إلى الخارج للدراسات العليا، كنت أحد الذين علمهم الأستاذ يوسف كيفية تدريب التلاميذ على أصول إعداد الصغار وتعليمهم الرياضة الحديثة التي حملها معه من كلية شوردشت. ولأنه كان يتمتع بصحة جيدة لم يلوثها الدخان أو يعبث بها القات، طويل القامة، واسع الصدر، عريض المنكبين استفاد من الرياضة للاحتفاظ بلياقته حتى اليوم، باستثناء آلام الركبة التي ترافق المرء من الكهولة إلى الشيخوخة، لكنها حالياً تستجيب لعمليات جراحية متقدمة أفلحت معه كما رأيته عند آخر زيارة لي إلى مسقط الرأس وهو يصر على المشي دون اللجوء إلى التاكسي أو الحافلات. ولا يزال يقطع الطرق داخل المدينة كما فعل من قبل وكأنه أسد يستعرض الغاب الذي يديره بينما يتساقط معاصروه وتلامذته من حوله، سيما الذين أفرطوا في العادات الضارة وتوقفوا عن المشي والسباحة بعد السنة الثالثة الإعدادية في متوسطة الرزميت حيث كان يدرس أيضاً.

وكنت أخجل من نفسي قليلاً عندما كان يتفضل بزيارتي في دار «فتاة الجزيرة» للوالد محمد علي لقمان الذي كان يوسف يعتبره أباه الروحي، إذ كنت أدخن وأمضغ القات وأشكو من الصداع وأنا في سن أولاده هو يمشي من بيته بالمرسابة إلى الدار ثم إلى السوق الطويل وإلى الخساف والعودة على الأقدام طبعاً.

ولما حان موعد تقاعده عن التعليم كانت هناك وظيفة شاغرة لإدارة مسبح حقات، فكان الأستاذ يوسف الاختيار الطبيعي الأمثل للمنصب، فهو إداري ممتاز ومدرس قدير ورياضي مؤهل وسباح ماهر يذكرني دوماً بالبطل المصري الأسطوري أبو هيف، الذي قطع بحر المانش الفاصل بين بريطانيا والقارة الأوروبية وبحر نابولي وغيرهما الكثير حتى أصبح أبرز سباح مسافات طويلة في العالم، وفوق ذلك كان أبو هيف شهماً إذ تبرع مرتين بجائزتين ماليتين كبيرتين عالميتين لزملاء نافسوه في السباحة التي فاز فيها عليهم عندما بلغه إصابتهم بأمراض خطيرة.

ولما تولى الأستاذ يوسف إدارة المسبح كنت أواظب على ارتياده وألتقي به وأقضى معه ساعة يومياً، وهو يصحح لي أسلوبي في السباحة بقوله تخيل أنك تضرب الساعة الحادية عشرة بيدك اليسرى والواحدة باليمنى وتدق برأسك الساعة الثانية عشرة حتى تصل إلى نهاية الحوض. التحية للأستاذ يوسف حسن السعيدي والدعوات الخالصة له بطول العمر ودوام الصحة والسباحة من الساعة الحادية عشرة إلى الواحدة كل يوم إن شاء الله.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى