قصة قصيرة.. الهتاف

> «الأيام» الخضر عبدالله حنشل:

> في نهار ذلك اليوم المشمش، كان الناس يتدافعون بالمناكب، يهتفون بأعلى أصواتهم:«بالروح بالدم نفديك يا فهمان يا أبو الكادح والجيعان»,كانت أصواتهم تشق غبار الظهيرة، وتبعث في المكان هرجاً وضجيجاً، كان جوهر يترقب قدوم تلك المسيرة منذ الصباح الباكر، فقد نما إلى علمه أن هناك تظاهرة كبيرة ستقام للمرشح الانتخابي،كان قلبه يزداد خفقاناً وينتابه شعور بالفرح كلما اقترب من تلك المسيرة، قال في نفسه:«يا له من يوم سعيد، يبدو أنني سأجمع نقوداً كثيرة».

أخذ عصاه وسار مسرعاً في طريق لم يألفه غير عابئ بالحصى والأشواك، كان يسرع الخطى ليصل سريعاً قبل أن يسبقه غيره من المتسولين، لم يكن شاباً كامل الدسم، بل كان كهلاً كفيفاً شاحب الوجه.

شمر عن ساعديه، واستجمع كل قواه، وأبي ألا أن يكون حاضراً في هذه التظاهرة، وجد نفسه محشوراً بين تلك الكتل البشرية الكثيرة، وفي هذه الأثناء أمسك عصاه بيده اليسرى، ومد يده اليمنى، مردداً عباراته المألوفة، ولكن بصوت مرتفع هذه المرة:«ساعدوني جزاكم الله خيراً، ساعدوني حسنة للأعمى جزاكم الله خيراً.. ساعدوني..».

تعالت الأصوات، وازدادت الأهازيج عند سماع كلمة المرشح الانتخابي، وصعد الغبار في عنان السماء، وغاص جوهر في ذلك الموج البشري.

كانت الأصوات والأهازيج المرعبة كافية لجعل جوهر يترنح ويهوي على الأرض، سقط وانفلتت عصاه بعيداً، وراح يبسط راحته على الأرض، ويصرخ بصوت مبحوح «عصاي.. عصاي.. عصاي».

بقي في بحثه الدءوب عن عصاه، أما الجماهير فغادرت تلك البقعة، رفع جبينه عن الأرض، وتأبط ما تيسر له من تلك الملصقات المنشورة حولها، ومضى يائساً مترنحاً دون أن يكون لديه رغبة حتى في التفكير أو التثاؤب وتناهي إلى سمعه هتاف الجماهير عن بعد.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى