وظيفة الأدب (1)

> «الأيام» عبده يحيى الدباني:

> يتساءل الكثيرون عن وظيفة الأدب. هل للأدب وظيفة؟ وإن كان له وظيفة فيا ترى ما هي؟ وكيف نشخصها أو نحددها؟ لقد ظهر الأدب كظاهرة إنسانية اجتماعية لغوية مع ميلاد الحياة الاجتماعية لا سيما الشعر الذي ارتبط ظهوره غالباً بالطقوس الدينية. لقد ظهر الأدب إذن وأدى دوره ووظيفته قبل أن يفكر الإنسان في هذه الوظيفة أو يدركها أو يرصدها، فهذه مهمة لاحقة حاول النقد أن ينهض بها بل أن هناك علماً أدبياً سمي حديثاً بـ (نظرية الأدب) كرس نفسه للبحث عن ماهية الأدب ومصدره ووظيفته. وفي منأى عن التنظير والتقعيد وتباين النظريات المختلفة منذ النقد اليوناني حتى اليوم فإن عصارة الموضوع فيما يخص وظيفة الأدب تكمن في: تغذية العقول والنفوس والأرواح وتنمية المشاعر وتهذيبها والسمو بها في فضاء الإنسانية وبعيداً عن النزعات الحيوانية، وبما أن الأدب فن من الفنون فإن في الإنسان رغبة في التعاطي مع الفن والتشبع به ولا بد من إشباع هذه الحاجة الإنسانية الفطرية لدى الإنسان حتى تستقيم الحياة وتنأى عن طريق الشذوذ والانحراف والتوحش.

وقديماً أشار أرسطو إلى وظيفة (التطهير) التي ينطوي عليها الأدب ولعلها التخلص من المشاعر الزائدة أو المكبوتة والاتجاه بها نحو الصحة والاعتدال. كما أن الأدب شعراً ونثراً- بوصفه فناً لغوياً- يعزز ملكات التعبير لدى القارئ أو السامع على ما لهذه الوظيفة من أهمية كبيرة سواء لدى الفرد أم لدى المجتمع والأمة فازدهار اللغة يعني ازدهار الفكر وثراء العقل ونماء العواطف، ولا يجدد اللغة ويحفظها وينشرها ويشذبها مثل الأدب، وكذلك يضخ فيها روحاً جديدة ويساعد على تعلمها واستنباط قواعدها حتى لقد قال العالم العربي الخليل بن أحمد الفراهيدي: «الشعراء أمراء الكلام» بمعنى أنهم يأتون بأحسنه ويأتون بالأساليب والتراكيب الجديدة فتكتسبها اللغة وتضاف إلى رصيدها.

أما العرب وما أدارك ما العرب؟ - عرب الأمس طبعاً لا عرب اليوم - فقد دخلوا التاريخ الإنساني من باب (الكلمة) بل الكلمة الأدبية الشاعرة الآسرة، وعُرفوا بشغفهم الشديد بالبلاغة والبيان وبفن الكلام فقد كانت تأسرهم الكلمة الجميلة وكانوا ينقادون لها مع أنهم من أصعب الأمم انقياداً للسلطان كما ذكر ابن خلدون ولأن:{اللهُ أعلمُ حيثُ يجعلُ رسالتَهُ} فقد تحداهم من جانب قوتهم حين أنزل إليهم القرآن الكريم، وجعل معجزة النبي العربي الأمي صلى الله عليه وسلم معجزة بيانية إلى يوم الدين فلم يستطع العرب أن يأتوا بمثله - ولن يستطيعوا - في بيانه وبلاغته وأسلوبه حتى وإن كانت المعاني أو المضامين مفتراة قال تعالى:{أم يقولون افْتَرَاهُ قُل فأتوا بعَشْر سُوَرٍ مثلِهِ مُفتَرَياتٍ} فالتحدي يكمن في الأسلوب البياني بصرف النظر عن المعاني أو الحقائق العلمية والتاريخية والغيبية فهي ليست موضوع تحدٍّ لأن العرب لا يجيدونها وليسوا بذوي شأن فيها. وللحديث بقية.

[email protected]

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى