ياسمين راجح .. والغياب الطويل

> «الأيام» حسن سعيد دبعي:

> وقعت في يدي قصيدة بعنوان «مقاطع من دموع القصائد» كان ذلك في شهر نوفمبر1999نشرت في صحيفة «26 سبتمبر» الأسبوعية للشاعرة الموهوبة ياسمين راجح، أعجبتني القصيدة ونسخت منها صورة واحتفظت بها بين أوراقي .

الآن وأنا أقلب أوراق ذكرياتي وقعت عيني على القصيدة المشار إليها أعلاه، تعمقت فيها وغصت بين سطورها وقررت أن أكتب عنها فهي جديرة بالإشارة وجدير بصاحبتها أن تظهر للقراء ليعرفوا مدى قدرة العنصر النسائي في بلادنا لو توفرت له الإمكانات والتشجيع المطلوب كبقية نساء العالم التعبير عن مكنوناتها بهذا الأسلوب الشعري الخلاق.

في القصيدة تستشف الشاعرة طبيعة الحبيب الذي بدأ يتغير في التعامل معها وتحاول أن تسبر غور أحاسيسه تجاهها وهل التصرفات التي تراها حقيقة أم أنها في حلم فتقول:

تحدث وقل لي

بأن ما يحدث الآن حلم مخيف

وأني لا شك أحلم..

وقلبي باك محطم

فمالك حين أمد يدي

تخاف وتجفل..

فهلا شعرت بأن الذي

يحدث الآن قتل

وليس وليمة

وأن الذي تراه حلولاً

يعد جريمة..

لماذا تصر على الصمت

مد يديك وخذني

فقلبك مأوى الحنان

وقلبك شهدي وذخيرتي

اذا اشتد قيظ الزمان..

ألا يستحق انحناء عظيماً

وبعض العناء..؟

غير أن الرد لم يأتها فتحاول الشاعرة أن تصل إلى نتيجة مقنعة وسريعة بأن هذا الحبيب الذي طال صمته ربما اتجه إلى غيرها وترك لها مساحة من الترقب والانتظار، لكنها بددت جو القلق ودخلت إلى صلب السؤال الصعب وأطلقته قائلة:

أتوجد غيري؟

أقصد أنك أحببت غيري

إذن فتحدث

ومهما يكن فللقلب أطواره الصاخبة

لعلها أجمل مني..

ولما كان الصمت هو سيد الموقف، والتردد في الإجابة هو الضباب الذي يغطي الرؤية نحو الحقيقة المرة تلح الشاعرة في التساؤل وللمرة الأخيرة:

تحدث وقل لي

لماذا حزمت الحقائب

فيها سطوري وفيها عطوري

وفيها شراع المراكب..

لكنها استطردت في التساؤل الممزوج بالعتاب عندما تأكدت أن الحبيب في طريقه إلى التواري وبصمت قاتل فصرخت:

قل لي..

إذا ضاع قلب

من ذا أحاسب

أتطرق دون إجابة؟

كأن الذي يحدث الآن

عزف ربابة

كأن الذي يحرق الآن

عيني دخان

آتي من سحابة

وليس بأني بحزني أقاتل

كل وحوش الكآبة..

القصيدة من حيث الحبكة والهدف تعتبر في نظري من أجمل ما قرأت وأجمل من ذلك أنها جاءت من عنصر نسائي يعتبر في قاموس مجتمعنا البليد «حالة نكرة» لأن هذا المجتمع ما فتئ يتحسس من نجاح المرأة وظهورها في مختلف المجالات سيما منها الجانب الأدبي، وحبذا لو أن السيدة ياسمين راجح تواصل مشوارها في هذا الميدان لأن أسلوبها الشعري راق وتعاطيها مع الكلمة فيه نوع من الحميمية الوجدانية.

كل ما أعرفه عن ياسمين راجح أنها شاعرة برزت في السبعينات والثمانينات في عدن في فترة كان للمرأة فيها فسحة من الحرية وقدر من المساواة وصوت مسموع وأن لها مجموعة شعرية بعنوان «قيد وانعتاق» صدرت عام 85م عن دار الهمداني، كما علمت أن لها مجموعة أخرى في طريقها للنشر بعنوان «تجليات صوفية لامرأة يمنية».. هذه الشاعرة اختفت دون سابق إنذار خاصة بعد تحقيق الوحدة اليمنية التي كان من المفترض أن تكون ياسمين راجح وأمثالها في الصورة ومن خلال اطلاعي على الجانب الثقافي في البلاد لم أجد لياسمين راجح أي قصيدة جديدة عدا هذه القصيدة التي تناولتها آنفاً، ولا ندري ما هي الظروف التي أجبرتها على هذا الاختفاء. لكنني وأنا أطالع «الأيام» في مارس 2006م قرأت أن منتدى الصهاريج بعدن قد أقام حفلاً خاصاً لتكريمها بصفتها إحدى مبدعات اليمن في مجال الأدب والشعر وكم تمنيت لو حضرت التكريم خاصة وأنني كنت موجوداً في عدن قبل عشرة أيام من تكريمها للتعرف على ياسمين راجح عن قرب وقلت في نفسي ربما بعد التكريم ستظهر شاعرتنا من جديد لتتحفنا بما عندها من مخزون، مازال لدي أمل أن أقرأ ويقرأ غيري من المهتمين بالأدب لياسمين راجح وأعتقد أنها بعد أن تطلع على هذا الموضوع ستظهر علينا أو تقول لنا ما سر هذا الغياب الطويل فأمثالها لا ينبغي أن يغبن فالساحة الأدبية بحاجة إلى رشاقة يدها ورهافة تعبيراتها وحرام أن تغيب الظروف عنا مثل هذه الإنسانة فغيابها الطويل عن مجالها الطبيعي خسارة. وفي هذا السياق نلاحظ أن الأديبات اليمنيات مع الأسف ما أن يظهر لهن صوت نجدهن يختفين فجأة إما لأسباب أسرية (بيت وزوج وأولاد) أو لأسباب عملية أو لضغوط اجتماعية وأنا أرجح السبب الأخير لأنه أكثر إحباطاً لتطلعات المرأة اليمنية، فهل لياسمين راجح أن توضح لنا سبب غيابها الطويل هذا..؟

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى