وما علينا إذا لم تفهم البقر

> علي محمد زين الجفري:

> الأخ الأستاذ عبدالله الأصنج بحق متميز في عطائه الصحفي وأسلوبه السياسي الثوري، وهذه ميزة إنسانية رائدة، قلما نقرأها لدى رجالات الرعيل الأول الذين عايشوا مرحلة النضال الثوري ضد الاستعمار. في عدد صحيفة «الأيام» الغراء - (4938) شد انتباهي عنوان مقالته، التي هي بعاليه، فتذكرت على الفور، النظرية الأيديولوجية، التي ربما لا تتفق مع هذه السمات التي تتمتع بها الثقافة البقرية الرائدة. في صيف عام 1976م حين حالفني حظ المشاركة في الدورة التعليمية في الولايات المتحدة الأمريكية (ولاية وسكنسون) وفي جامعتها بالعاصمة- مدينة (ماديسون) لم يثر انتباهي مادة المحاضرات الأولى في - (واشنطن)- التي يتمحور بحثها العلمي الأكاديمي، حول موضوع : مفتاح الإدارة العلمية الحديثة، وأسلوبها المتميز بالتخطيط والبرمجة، وكيفية اختيار القيادة الإدارية ابتداءً من مدير قسم إلى حاكم دولة. ولم تستدع ذاكرتي الضعيفة تلك المواد والمواضيع العديدة التي أُلقيت علينا في جامعة (وسكنسون) العريقة، وعادة ما تصب هذه الدراسة والكتب والمناقشات الواسعة في هذه الدورة لموظفي الدولة لمرحلة ما بعد التخرج، والفلاح والنجاح لمن استوعب. إذن، ما الذي استرعى اهتمامي ولم يزل بذاكرتي حتى اليوم؟ إنها «ثقافة البقر» فليست الطيور وحدها هي التي تدرب، ولا الكلاب البوليسية، بل البقر أيضاً التي يتأصل فيها ذلك الأدب الرفيع. كان عددنا يتجاوز الثلاثين مشاركاً - عرباً ومسلمين وغير مسلمين - من آسيا وأفريقيا. في مدينة (مارشفيلد) الزراعية وفي جولتنا الميدانية النظرية بقينا نستمع إلى مزارع يمتلك ألف هكتار بما يعادل ألفين ومائتي فدان هو واثنان من عائلته يتعهدون حراثة الأرض وزراعتها بطرق فنية حديثة مع حظيرة أبقار. وبعد أن استمعنا إليه (المزارع) وهو يشرح كيفية الزراعة والتسويق، أشرنا إليه، كيف ترعى هذه الأبقار الكثيرة لوحدك؟

الأبقار كانت على بعد حوالى كيلومتر. قال: سأريكم. ماهي إلا كلمة واحدة يصيح بها، وإذا بالأبقار تتوقف عن الرعي كسرعة الجندى الذي يقف في طابور . ويا سبحان الخالق: تجمعت الأبقار كلها في صف واحد، الواحدة بعد الأخرى لا تتقدم بعضها بعضا ولا تصيح، طابور تفتقده في مدارسنا اليوم حتى وصلت أمامنا ودخلت كل بقرة إلى الحظيرة، بل إلى كل غرفة من الغرف الحديدية التي خصصت لها، شبيه بسجون الولايات المتحدة. فماذا عسانا أن نفعل؟ وقف كل واحد منا ينظر إلى الآخر، ولسان حاله يقول متى ستصل شعوبنا وحكامنا إلى مستويات هذه الثقافة البقرية؟

فشكراً للأخ عبدالله الاصنج الذي أيقظ الذاكرة والحدث وشكراً لصحيفة «الأيام» الغراء التي عودتنا على هذه الصحوة الخبرية ومنها ما هو آت منا، تعليقاً وذكرى لأحداث مؤسفة عصفت بالبلاد والعباد، ألا وهما كلمتا- الحرية والديمقراطية - اللتان أثارهما العدد المذكور من الصحيفة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى