«مسودّة المحكمة تتضمّن الأسس لإرساء سوابق قانونية دولية مهمّة جداً ».. غاي لـ «النهار» اللبنانية:لا حلّ في المنطقة دون حوار مع سوريا وإيران لكن الكلام عن صفقة على حساب لبنان وهم .. لبنان مهم جدا بسبب مزيجه الفريد من الاديان والثقافات

> «الأيام» عن «النهار»:

>
فرانسيس غاي
فرانسيس غاي
أجرت صحيفة «النهار» البيروتية حواراً مع الدبلوماسية البريطانية فرانسيس غاي التي كانت سفيرة للمملكة المتحدة لدى اليمن بعد انتهاء فترة عملها.. وفي ما يلي نص الحوار الذي أجرته الزميلة رلى بيضون:

فيما يشعر لبنانيون كثر بقلق كبير على حاضرهم ومستقبلهم، تحاول السفيرة البريطانية الجديدة فرَنسِس غاي التخفيف من خوفهم في بعض المجالات، لكنها تشاركهم اياه في البعض الآخر.

فالديبلوماسية الشابة، ورغم الابتسامة التي تكاد لا تفارقها، تبدي قلقا كبيرا على الوضع الداخلي الحالي، مؤكدة ان "ما يحتاج اليه لبنان هو حكومة مستقرة تتمكن من الاعداد جيدا لباريس - 3 ولكل المهمات الاخرى"، ومشددة على اهمية الاستقرار السياسي في لبنان، "لكي يثق الناس به اقتصاديا".

اما الخوف اللبناني من "صفقة" جديدة على حسابه، والذي عززته الاتصالات الاوروبية الاخيرة بالنظام السوري، ومنها زيارة نايجل شاينوالد مستشار رئيس الوزراء البريطاني طوني بلير لدمشق، فلا تفهمه، وتصفه بالوهم. واذ تؤكد ان "ليس هناك بحث في اي صفقة"، تشرح ان كلام بلير على الحاجة للتحدث الى سوريا وايران "لا يعني ان هناك تغييرا في السياسة البريطانية، بل اعتراف بأن اي حل طويل الامد في العراق وفلسطين ولبنان لن يحصل من دون نوع من الحوار مع سوريا وايران حول هذه المواضيع". وتوضح ان شاينوالد حمل رسائل صلبة بالاضافة الى محاولة لفتح حوار، وما زلنا ننتظر رؤية النتائج".

وفي مقابلة امس مع "النهار" هي الاولى منذ تسلمها مهامها في لبنان قبل شهر، ترحب غاي بإقرار مسودة النظام الاساسي للمحكمة الدولية لمحاكمة المتهمين باغتيال الرئيس رفيق الحريري، موضحة ان هذه المحكمة، ورغم التعديلات الطفيفة التي طرأت على النص الاساسي، "لا تزال تتضمن الاسس المطلوبة لارساء سوابق قانونية دولية مهمة جدا".

والسفيرة الخبيرة في العلاقات مع العالم الاسلامي تأمل ان تتمكن في لبنان من اكمال الحوار مع الجميع، معتبرة ان لبنان يمكنه ان يكون "النموذج الذي يتحدى من يستخدم المصطلحات غير المفيدة" بدلا من "مكان للمواجهات". وفي ما يأتي نص الحديث:

< يمر لبنان بأزمة سياسية بعد استقالة ستة وزراء من بينهم الوزراء الشيعة الخمسة، والتهديد بتظاهرات واعتصامات. كيف تنظرين الى هذا الوضع، خصوصا انك قلت في تصريح قبل مغادرتك لندن ان مهمتك في لبنان "ستركز على تشجيع استقرار الحكومة الحالية؟".

- نحن قلقون جدا لما يحدث الآن ولا نعتقد ان من الصحي في الفترة التي تلي مباشرة الحرب ان يكون هناك نوع من علامة استفهام على الحكومة. ما يحتاج اليه لبنان هو حكومة مستقرة تتمكن من الاعداد جيدا لباريس - 3 ولكل المهمات الموجودة اساسا والتي تزيد اهميتها نتيجة المشكلات المتعلقة بالحرب. نحن قلقون جدا وندعو كل الاطراف الى ابقاء الباب مفتوحا للتفاوض. ونعتبر ايضا ان الحكومة يجب ان تمثل اوسع نسبة ممكنة من الآراء.

< هل تعتقدين ان الوضع قد يؤثر على تنفيذ القرار 1701 او على مؤتمر باريس - 3؟

- قد اقلق اكثر في المدى القريب من تأثير الاوضاع على باريس - 3، لان هناك حاجة لاعداد مباشر للمؤتمر ولتبيان ان البلاد مستقرة سياسيا، لكي يثق الناس بها اقتصاديا. من دون استقرار سياسي لا يمكن ان يكون هناك نقاش جدي على الاصلاح الاقتصادي والمسائل المالية الكبيرة في لبنان، وبينها الدين العام.

حتى الآن يسير تطبيق القرار 1701 جيدا، هناك بنود في هذا القرار لم تحل بعد، لكنها ستحتاج الى المعالجة على المدى الطويل، ولا اعتقد ان الازمة تؤثر الآن فيها.

سابقة قانونية دولية

< بالعودة الى المحكمة الدولية، اقرت الحكومة اللبنانية قبل يومين، وفي غياب الوزراء المستقيلين، مسودة النظام الاساسي العائد اليها ونص التفاهم في شأنها مع الامم المتحدة. لقد رحبت دول عدة بهذه الخطوة، فما الموقف البريطاني منها؟

- نرحب باقرار المسودة ونأمل في ان تكتمل العملية وتنشأ المحكمة في اقرب وقت ممكن.

< عاد النص الآن الى مجلس الامن، حيث يجب اقراره مجددا وارساله الى الحكومة اللبنانية. هل تعتقدين انه سيمر بسهولة في مجلس الامن؟

- المسودة التي ارسلت الى لبنان الاسبوع الماضي كانت اقرت في مجلس الامن، لذلك لا سبب لنعتقد ان مجلس الامن لن يقرها مجددا.

< هل تعتقدين ان المحكمة فقدت من فاعليتها بعد التعديلات الطفيفة التي طرأت على النص الاساسي، ومنها حذف عبارة "جريمة ضد الانسانية"؟

- اعتقد انها لا تزال تتضمن الاسس المطلوبة لارساء سوابق قانونية دولية مهمة جدا. والنص قوي جدا وسيكون اساسا جيدا لانشاء هذه المحكمة.

التحليق استفزازي

< ما موقفك من التحليق الاسرائيلي في الاجواء اللبنانية الذي يشكل بوضوح خرقا للقرار 1701؟ هل تعتقدين انه يهدف الى استفزاز القوة الدولية؟

- الحكومة البريطانية اثارت قلقها من هذا الموضوع مرات عدة مع الاسرائيليين. نعتبر هذا التحليق غير ضروري، وكان في بعض الحالات استفزازيا بالكامل. وقد اوضحنا موقفنا هذا للسلطات الاسرائيلية. هم يزعمون انهم يحتاجون الى عدد من الطلعات الاستطلاعية، لكن ثمة محادثات اخرى حول هذا الموضوع. من جهتنا اعربنا عن موقفنا في شكل واضح جدا. وسررت لأن حكومات اخرى تبدو مقتنعة بأن الاسرائيليين سيوقفون طلعاتهم الاستفزازية، وآمل في ذلك.

< في اطار الامور المدرجة في القرار 1701، هل تتوقعين حلا قريبا لمسألة شبعا بعد اقتراح وضعها تحت رعاية الامم المتحدة؟

- عينت الامم المتحدة رسام خرائط لتحديد الحدود والنظر في المزاعم المتنوعة المتعلقة بشبعا. هذه بداية مسار ونأمل في ان يكتمل هذا العمل سريعا ليتمكن جميع المعنيين، اي اعضاء مجلس الامن وايضا لبنان وسوريا واسرائيل، من النظر الى كيفية السير الى الامام في هذا الموضوع.

الرسائل الى دمشق

< ارسل رئيس الوزراء البريطاني طوني بلير مستشاره للشؤون الخارجية نايجل شاينوالد اخيرا الى دمشق حيث التقى الرئيس السوري بشار الاسد. لماذا ارسله؟ وهل يعكس ذلك تغييرا في الموقف البريطاني من سوريا؟

- في خطابه الاثنين الماضي، تكلم طوني بلير على الحاجة للتحدث الى سوريا وايران. واوضح ايضا ان هذا لا يعني ان هناك تغييرا في الموقف البريطاني، واذا قلنا يجب التحدث مع بعض الدول فهذا لا يعني اننا نؤيد كل سياسات هذه الدول. في كل الاحوال، ذهب مبعوث رئيس الوزراء الى سوريا حاملا رسائل صلبة بالاضافة الى محاولة لفتح حوار. فكل حوار يتطلب كلاما من الطرفين، ونحن ايضا اوصلنا الرسائل التي اردنا ايصالها الى دمشق. في الحوار، يجب ان يتمكن المرء من ايصال الرسائل الصعبة كما الرسائل السهلة، ولكن يجب بدايةً فتح الحوار لايصال الرسائل الصعبة. لا اعتقد ان هناك اي تغيير في سياستنا، بل اعتراف بأن اي حل طويل الامد في العراق وفلسطين ولبنان لن يحصل من دون نوع من الحديث مع سوريا وايران عن هذه المواضيع.

< هل كان رد الفعل السوري على المبادرة البريطانية ايجابيا؟

- ما زلنا ننتظر رؤية النتائج.

< في هذا الاطار، قال الرئيس الاميركي جورج بوش الاثنين الماضي انه يرفض اي حوار مباشر مع سوريا وايران الآن. في حين ان بلير دعاهما الى المساعدة على وضع حد للعنف في العراق والتوصل الى الاستقرار في الشرق الاوسط. هل ثمة تمايز بين موقفي البلدين؟

- لا نبحث في كل تفاصيل سياستنا الخارجية مع الاميركيين، ولو كنا نتفق معهم تماما على امور عدة، ولو كنا حليفين كبيرين. كما قال بلير بوضوح، مهمة الصديق هي ايضا الا يوافق تماما على كل ما يفعله حليفه، بل ان يقول امورا صعبة في اذن صديقه. نعتقد ان التحدث الى سوريا وايران الآن هو فكرة جيدة، اذا امكن الامر، وهو يتطلب ايضا تحركا من جهة كل منهما.

لا بحث في أي صفقة

< انطلاقا من هنا، السؤال الذي يدور في اذهان لبنانيين كثر هو: هل سيكون هذا الانفتاح على سوريا وايران على حساب لبنان في اطار صفقة ما؟

- لا ارى لماذا يجب ان يكون على حساب لبنان. هذا وهم، واشعر بأنه كلما تحدث اللبنانيون عن هذا الامر اصبح اكثر حقيقة بالنسبة اليهم. اتمنى ان يتوقف الناس عن قول هذا الامر. اؤكد لك اولا، ان ليس هناك بحث في اي صفقة. وثانيا، اذا قلنا ان سوريا مهمة لمستقبل لبنان، فلا اعتقد ان اي شخص سيخالفنا الرأي. عندما تكون سوريا جاركم الاساسي، لا يمكن ألا تربطكم بها علاقة عمل جيدة.

< أيد طوني بلير استراتيجية شاملة في الشرق الاوسط، تبدأ باسرائيل وفلسطين "ثم نحرز تقدما في لبنان". هل ثمة خطة جدية لاحراز السلام في الشرق الاوسط انطلاقا من حل النزاع بين فلسطين واسرائيل؟

- ما قاله بلير هو انه اقر بأن حل النزاع بين اسرائيل والفلسطينيين هو في اساس امور عدة، منها ازالة بعض الاسباب التي تتذرع بها بعض المنظمات الارهابية لتبرير نشاطاتها. واعترف ايضا بأنه من دون حل هذا النزاع، لن يكون هناك استقرار على الامد الطويل في لبنان. لذلك يجب بداية التحرك لحل النزاع بين اسرائيل والفلسطينيين قبل بناء سلام طويل الامد في كل المنطقة، ولكن ايضا، وتحديدا، في لبنان.

المدمرة البريطانية (كينت)ترسو في ميناء بيروت يوم أمس لمدة يومين في زيارة ودية وتحت حراسة من الجيش اللبناني
المدمرة البريطانية (كينت)ترسو في ميناء بيروت يوم أمس لمدة يومين في زيارة ودية وتحت حراسة من الجيش اللبناني
< هل من امل في حل هذا النزاع قريبا؟

- عملنا كلنا لوقت طويل من اجل ذلك، ويجب ان نكمل العمل وان نبقى متأملين. هناك حواجز كثيرة، وتطورات قليلة قد تجعل الجهود تثمر، ولكن يجب ان نحافظ على الامل، فهذا عملنا.

لا تغيير حيال لحود

< نقل عنك قولك قبل مغادرتك لندن ان "الامتناع عن التعامل مع الرئيس لحود ليس عمليا، ولو كانت سياستنا حتى الآن الامتناع عن الاتصال به". هل هذا القول يعكس تغييرا في الموقف البريطاني حيال الرئيس لحود؟

- اريد ان اوضح ان هذا الكلام اتى في اطار ردي على سؤال محدد، وهو هل سأقدم اوراق اعتمادي الى الرئيس لحود.

< لا يمكن اي سفير ان يفعل غير ذلك.

- تماما، ولذلك اجبت بأن علي ان افعل ذلك، وان عدم التعامل مع رئيس الدولة ليس عمليا في بعض المناسبات. ولكن ليس هناك اي تغيير في سياستنا في هذا المجال.

< في تقريرها عن شؤون الانسان الذي اصدرته اخيرا، تجاهلت وزارة الخارجية البريطانية الاجرام الذي اقترفته اسرائيل في لبنان خلال حرب تموز، وسلطت الضوء على ما قام به "حزب الله". هل يساهم تقرير كهذا في تعزيز صدقية بريطانيا واثبات حيادها في عيون لبنان والعالم العربي؟

- من يدقق في التقرير بكامله يلاحظ ان عدد الصفحات التي تنتقد اسرائيل كثيرة، وانه متوازن اكثر بكثير مما يعتقده البعض. اوافق الرأي القائل ان ثمة مشكلة في طريقة الحديث عن الحرب في لبنان تحديدا، ولكن التقرير عموما متوازن اكثر بكثير مما قيل.

«مجموعة مشاركة العالم الاسلامي»

< شغلت منذ عام 2004 وحتى تسلمك مهماتك في لبنان منصب رئيسة "مجموعة مشاركة العالم الاسلامي" في وزارة الخارجية البريطانية. ما هو دور هذه المجموعة؟ وهل تنوين اكمال العمل في اطارها في لبنان؟

- للمجموعة هدفان: الاول تشجيع التفاهم المتبادل في اطار الديبلوماسية التقليدية. لكن احدى المشكلات الآن، ان كان في المملكة المتحدة بسبب مشكلات الهجرة في اوروبا، او في اطار في ما يسمى "صراع الثقافات" الذي تمناه البعض، هي عدم فهم الآخر.

كنا مجموعة تهدف الى تذكير الجميع بضرورة اعتماد الديبلوماسية التقليدية والتواصل مع هؤلاء الذين لديهم آراء مختلفة عن آرائنا. والهدف الثاني كان اضعاف حجج الارهابيين.

وفي هذا المجال، اريد الاشارة الى "مبادرة تحالف الحضارات" التي اصدرت تقريرا قبل يومين عن سبل تشجيع السلام. وتضم المجموعة مثقفين وقادة روحيين من كل انحاء العالم، توصلوا الى خلاصة ان حل مشكلة فلسطين واسرائيل - كما قال طوني بلير - ستساعد كثيرا في كل اوجه حوار الحضارات. وهذا الامر مهم جدا، لان هؤلاء ليسوا اعضاء في "حماس" او "حزب الله"، و70 في المئة منهم ليسوا عربا او مسلمين، ورغم ذلك، هذه هي الخلاصة التي توصل اليها هؤلاء. وهذا جزء من العمل الذي كنا نحاول القيام به.

استكمالا لتشجيعي سفراءنا في العالم الاسلامي خلال العامين الماضيين على التحدث الى هؤلاء الذين لا يتحدثون اليهم عادة، لأنهم ملتحون او يستشهدون خلال الحديث بآيات قرآنية، ومن الصعب احيانا اجراء احاديث كهذه، اود القول انني آمل في التمكن من اكمال هذا النوع من الحوار مع كل الناس هنا في لبنان. ولبنان مهم جدا في هذا الاطار، بسبب مزيجه الفريد من الاديان والثقافات.

< هل هذا يعني انك ستتحاورين مع "حزب الله"؟

- افضل الاجابة عن هذا السؤال عند انتهاء مهمتي في لبنان.

لبنان وسط المصطلحات

< قالت مصادر ايرانية الاسبوع الماضي ان "الشرق الاوسط الاسلامي" بدأ يتفوق على "الشرق الاوسط الجديد" او "الكبير" الذي اعلنه الولايات المتحدة والغرب. هل هذا صحيح في رأيك؟ وهل سيبقى لبنان ساحة يتواجه فيها الشرق الاوسط الاسلامي والشرق الاوسط الكبير؟

- استخدام هذا النوع من المصطلحات ليس مفيدا. لست متأكدة انني اعرف ماذا يعني الشرق الاوسط الاسلامي، ولست متأكدة اننا كلنا نعرف ماذا يعني الشرق الاوسط الجديد. ما كان واضحا في مبادرة "الشرق الاوسط الكبير" هو نية في رؤية حكم افضل في المنطقة، شفاف ويخضع للمساءلة، ويكون للمواطنين فيه كلمتهم في طريقة ادارة بلادهم. واعتقد ان المسلمين، وحتى الاسلاميين السياسيين، متمسكون بقيم الشفافية والمساءلة والديموقراطية وبأن يكون للشعوب رأي بالحكام.

اما استخدام مصطلحات اخرى فليس مفيدا. واعتقد اننا متفاهمون اكثر بكثير مما يريدنا بعض الصحافيين ان نتفاهم.

< هل تعتقدين ان لبنان عالق وسط هذه المصطلحات، ومن يصدرها؟

- يمكن لبنان ان يكون النموذج الذي يتحدى من يستخدم هذه المصطلحات. حتى الاسبوع الماضي، كان لديكم في الحكومة حزب قد يصفه البعض بالاسلامي. هذا ربما ما يجب ان تتمسكوا به، وليس جعله مكانا للمواجهات.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى