جنون العنف في عيد صار للإجرام !

> غسان تويني:

>
غسان تويني
غسان تويني
الجنون الذي جعل أحد امتداداته (كامتدادات السرطان!) رئيس الجمهورية المطعون في شرعيته يعلن فراغ الجمهورية من آخر مؤسساتها، وذلك بتعميم بروتوكولي يساوي بين الوزراء والوزراء السابقين، ويخلط شعبان عيد الاستقلال برمضانه... وكأنما الاستقلال ليس احتضاناً للدستور في تذكار يوم تعديله القسري في وجه الاستعمار الذي هدّد وتوعّد، ثم نفّذ ونكّل - بل صار مجرد مراسم تحسم اشكالاتها باختيار من يرسل حامل اكليل زهر - ومزيناً بالنكايات!!! - الى ضريح او تمثال هذا البطل من الابطال او ذاك... ونضحك بعدها لاننا اصبنا هدف النكاية لا التكريم!

لا نعرف اذا كانت لعبة المراسم الانتقامية قد أدت غايتها القصوى بتكليف الوزير بيار الجميّل وضع الأكليل الرئاسي على ضريح او تمثال الشيخ بيار الجميّل الجد...

القدر (هل هذا هو اسم مجرم 21 تشرين) كلّف، نيابة عن الرئيس القدري، الوزير الشاب ان يحمل الى جدّه حيث هو - لا الى التمثال ولا الى الضريح - اعظم اكليل: رأسه الدامي وروحه المخلّدة الآن، واسمه المقترن ابداً بعيد الاستقلال.

***
وحدهم السخفاء وقليلو الرشد يسمحون لانفسهم بضرب اخماس سخفهم بأسداس قلّة العقل للخروج بالتوقعات الاتهامية عن الجهة التي كانت لها مصلحة في اغتيال الوزير الشيخ الشاب بيار امين الجميّل.

المسؤولية على من تقع؟

إن أحداً لا يمكن أن يصدّق أن "مصادفة" الاغتيال يوم اقرار نظام المحكمة الدولية هي مجرّد مصادفة، ونقول ذلك لكي "يطمئن" المجرمون الى ان الإضافات "المعدّلة" تجعل من صلاحية المحكمة النظر في هذه الجريمة بالذات... الجريمة التي تثبت كم كان المشترع الدولي على حق في ترك باب العدالة مفتوحاً على المستقبل المرتقب، ولا يقف عند اغتيال جبران تويني.

ويكون رئيس الجمهورية غير الشرعي متواطئاً اذا استمر يحاول "الخربطة" الدستورية التي يريد منها منع انشاء المحكمة رغم قرار مجلس الامن، مبتكراً سابقة دستورية كان يمكن كل تاريخ الحقوق ان يراهن على انها سيدة المستحيلات: تعطيل شرعة القانون الدولي (ميثاق الامم المتحدة) بالتلهي بنزع شرعية حكومة عبر اعلان وزرائها انهم صاروا "سابقين"، وتالياً إن انعقاد مجلسهم غير دستوري لأنّ لا حق لهم حتى في محاولة الاجتماع!!!

***
رحم الله الشيخ بيار الجميّل الجد الذي نزل الى الشارع - ايام عز الشارع، لانه كان ضد الاستعمار - كي لا يقال ان الاستقلال، لانه عربي، واستقلال من الانتداب الغربي ولو مدوّلاً، ليس موضع طموح الموارنة بل هو مطلب المسلمين وحدهم...

هكذا، اعطى الشيخ بيار الميثاق الوطني ابعاده في الشارع، التي تكللت بالتظاهرة النسائية المشتركة في ساحة رياض الصلح - ما أحلى الرموز على القلوب عندما تتعاظم الاسماء - بين المتظاهرات المسلمات نزولاً من البسطة والمتظاهرات المسيحيات نزولاً من الاشرفية.

ساحة رياض الصلح هذه يجب ان تحفظ الوحدة الوطنية، وغداً وبعد غد، عندما تنتهي مراسم دفن بيار الجميّل الحفيد، ستكون ذكراه هي الرادع عن كل محاولة تفرقة.

***
وتبقى بعد ذلك الحاجة الى الجدية الدستورية.

اي الى تضافر جهود المسؤولين الذين لم يصابوا بعد بريح الجنون والاجرام، فينطلقوا من دعوة "العقّال" الى احياء الحوار الوطني والتشاور في اطار مجلس النواب، الذي لم تعصف به بعد الرياح اللحودية، الى اعادة تركيب مؤسسات الشرعية والسيادة، وتحريرها من لا شرعية التمديد القهري الذي ربما كان يومنا الطويل، عشية الاستقلال، احد ابرز اهدافها.

فلا يدعنّها تكون هي، والاجرام - الذي نظنه لا يزال مختزناً لانطلاق جديد، على رغم انشاء المحكمة - المنتصر الاكبر على استقلال نحتفل بعيده بالدموع والدماء، بينما يسكر الجنون بشرب دمائنا.

... فقط هكذا نحول دون ان نصير ملتزمين لمنطق العنف المجنون، فنجعل الاحتفال بعيد الاستقلال... جنازة بعد جنازة!

عن «النهار» اللبنانية 22 نوفمبر 2006

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى