اغتيال بيار الجميل: قرار صعب وخيار أصعب ومصير أكثر صعوبة

> فؤاد مطر:

> لا مجال للتظاهر بعد اغتيال بيار الجميل الحفيد، الذي يخطو منذ سنتين على طريق إحياء مجد لم يقطفه جده، احد مؤسسي حزب الكتائب اللبنانية، ولم ينعم به عمه الشيخ بشير الجميل، الذي قضى في تفجير سبق تسلُّمه سُدَّة الرئاسة في لبنان ببضعة ايام، ولم يهنأ ما فيه الكفاية والده الرئيس الأسبق الشيخ امين الجميل، العائد قبل ايام من زيارته الكردستانية، التي لا تفسيرات لدواعيها وظروفها. فقد قضى هذا السياسي الواعد الشاب المتقد حماسة، في حادثة تثير التعجب والتساؤلات، ذلك انها على طريقة جماعات «المافيا» الايطالية، التي على ما يبدو وجدت في لبنان من يستنسخها ويتقن اصولها. ولماذا التظاهر على النحو الذي كثرت التخمينات في شأن طبيعته؟ فإذا كان لإسقاط حكومة ابدت كل الاستعداد لاحتواء الازمة، فإن الحكومة سقطت عملياً مضرجة بدماء اصغر الوزراء سناً والماروني بامتياز، وفي منطقة ليس فيها تجمعات شيعية او مسلمة عموماً. ولعل الفعل التدميري الحاذق في ابتكار الخطط رأى انه اذا كان من الصعب إسقاط الحكومة بالتظاهر فليتم انجاز ذلك باغتيال وزير ماروني بالذات، وفي منطقة مسيحية، وليكن ذلك عشية إحياء ذكرى عيد الاستقلال، الذي هو منذ ربع قرن، اي الاستقلال، مجرد اسم ما دام ليس هنالك استقلال ومستقلون، بدليل ان كل بيادق لعبة الشطرنج ينتمون الى الخارج المجاور والخارج البعيد والخارج الأبعد. لقد أصاب العقيد القذافي هذه المرة في تشخيص الحالة قبل يومين، بتصريح ينتسب الى القول الشائع: وراء الأكمة ما وراءها.

بعد اغتيال بيار الجميل الحفيد، الذي يمثل جيل الشباب الماروني في الحكومة، يجد حزب الله او بالأحرى سيجد نفسه أمام قرار صعب وخيار أصعب. وهو لكي يدحض أي اشارات أو إيماءات بأنه، كرمز لأشرس عملية تحد في تاريخ المناكفات والصراعات، لا بد من خطوة نوعية في اتجاه تخفيض سريع لمنسوب التعبئة، التي وصلت إلى حد ان «الماراثون»، الذي هو كفكرة وتعبئة وكتنظيم وكثافة بشرية من صنع حزب الله، وان الآخرين، بمن فيهم الحلفاء الموارنة وبعض الأطياف السنية والدرزية، لا يشكلون عُشر هذا التجمع المحتمل، يجب أن يتحول إلى مجرد وفد مصغَّر يحظى بمباركة السيد حسن نصر الله، ويشارك في امتصاص الغضب المسيحي، فضلا عن كفكفة دموع عائلة الجميل، التي تبدو أقدارها قريبة الشبه بأقدار عائلة كينيدي في أميركا. ومثل هذا القرار صعب، بل وبالغ الصعوبة على حزب الله، لأنه سيجرده من قدرته على التعبئة وتوظيف تعقيدات للموقف، لا تتوفر دائماً. أما الخيار الأصعب فهو أن يبادر الى الدعوة الى مؤتمر مصالحة وطنية تشكل بديلا لما تكاثر الأخذ والرد في شأنه، ونعني به «حكومة الوحدة الوطنية».

يبقى ان بين يدي رئيس الجمهورية اميل لحود ورقة توحيد الصف الماروني، اذا هو بادر واستقال، وبين يدي الجنرال ميشال عون الطامح الى الخلافة اذا هو بادر واستدار، وبين يدي رئيس الكنيسة المارونية البطريرك صفير اذا هو استضاف قمة في الصرح البطريركي، تجمع كل اطياف الصف الماروني المتبعثر، وبين يدي رئيس مجلس النواب اذا هو عاجل الوضع بجلسة للمجلس يتم خلالها الاتفاق على رئيس جديد للجمهورية، وإبلاغ الامم المتحدة، اعتبار محكمة العدل الدولية مطلباً يريده كل لبنان، وكذلك ابلاغ القيادة السعودية ان لبنان اتفاق الطائف هو لبنان الذي لا لبنان سواه.

يبقى ايضاً ان هذا الهدر للوقت وهذا التلاعب بالمصير وهذا الاستسهال للتصفيات، من شأنه ان يقود البلد الى حالة لا بد منها في ساعات الشدة، وهي ان تتقدم قيادة الجيش الى الساحة وتحقق حلا من خلال فض الاشتباك بين ثيران الحلبة، اي الانقلاب المبغوض المحلَّل قسراً... وعلى طريقة الانقلاب الموريتاني قبل بضعة اشهر، يسكت خلالها المتلاعبون من اهل السياسة عن الكلام غير المباح وغير المستحب قوله، ولا تعود مسدسات القتلة تواصل استهداف آخرين في قائمة قيل انها طويلة... وكان القول مؤكداً بدليل اغتيال بيار الجميل الحفيد، وفي عصر نهار كانت شمسه على اهبة الغياب استعداداً لطلوع شمس نهار استقلالي يثير الدهشة، كونه قائماً على ارضية لا مثيل لها من التنافر و«الاحتلالات» الصغيرة ذات الطابع الفولكلوري.

وفي حال بات الحل الانقلابي امراً لا بد منه، فإن المصير يصبح اكثر صعوبة. والله اعلم.

عن «الشرق الأوسط» 22 نوفمبر 2006

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى