دماء تصنع المستقبل

> محمد عبدالله الموس:

>
محمد عبدالله الموس
محمد عبدالله الموس
كما رأينا العمائم والقلنسوات تودع شهيد لبنان رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري (المسلم) رأيناها كذلك تتداعى لتوديع وزير الصناعة اللبناني بيير الجميل (المسيحي) الذي اغتيل بدم بارد في وضح النهار في سيارته في سيناريو بشع بشاعة مرتكبيه، فقد أطلقوا النار على السيارة وبعد توقفها بسبب الإصابة فتحوا بابها وأكملوا المهمة فكانت الحصيلة إصابة المغدور به بـ(11) رصاصة، منها (8) رصاصات في الرأس.

بين الواقعة الأولى في مسلسل الدم، اغتيالاً، والواقعة الأخيرة هناك أربع حالات اغتيال أخرى، ولا ينتمي مجموع هؤلاء الضحايا إلى ملة أو دين واحد.

للإرهاب وجوه كثيرة وتحكمه مصالح مرتكبيه، ورصاص رشاشات القتل لا تميز بين العمامة والقلنسوة أو الهلال والصليب . إنها تنطلق بأمر من يحمل مشروعاً وهدفاً أصغر من وطن وأقل شأناً من مصالح أبناء ذلك الوطن.

صحيح أن حوار البنادق أسرع حسماً للأمر في نظر الأغبياء فهو يسكت مصدراً من مصادر الصوت لكنه لا يستطيع أن يوقف الصوت من الوصول، وقد تساعد الرصاصات الحمقاء على سرعة انتشار هذا الصوت.

لعصرنا الذي نعيشه سماته، ومن سمات هذا العصر تقزم ومحدودية المسكوت عنه، فلم تعد هناك مقدسات غير المولى - جل شأنه- وكتبه ورسله وعدا ذلك فهو قابل للأخذ والرد والحسم بالوسائل السلمية، ولم يعد هناك مجال لدهس النوع أو الصوت الآخر بشعارات بلهاء تنزل مجتمعاتنا درجة كل عام في سلالم النمو والرقي التي تتسابق إليها شعوب الأرض.

يبدو أن عصابات التخلف بأزيائها العصرية، جماعات وتكتلات وحتى أنظمة، لم تدرك بعد حتمية هذه السمة أو أنها تتعامل معها بوصفها مجرد عاصفة تعصف بغير قصورهم وتمر.

علمتنا عبر التاريخ أن هناك من يقف دائماً ضد أي متغير جديد وأن الأمم تدفع كثيراً من الضحايا ثمنا للحاق بهذه المتغيرات، لكن الحقيقة المؤكدة أن أحداً لم يستطع أن يمنع هذه المتغيرات من أن تفرض نفسها حتى لو غدروا ببعض من ينادون بها، وعلمتنا عبر التاريخ أيضاً أن هناك من تنازل عن مصالحه طواعية تجاوباً مع هذه المتغيرات فخلدته الأمم وهناك من تعصب لهذه المصالح فذهب إلى مزبلة التاريخ بصورة بشعة في الغالب.

قالوا في الأمثال: (الدم يورث الدم) ودماء الضحايا لا تترك من سفكها وجرائم القتل منعاً لمجيء المستقبل ترفع فاتورة الثأر لا أكثر وهذا ما يخشاه العقلاء.

هل ندرك أن الأمم التي سبقتنا تمتعت قبل أي شيء بمظلة الدولة الوطنية، عوضا عن التعصب، والتنوع عوضا عن اللون الواحد، والمساواة في الحق والواجب عوضا عن الاستئثار والقفز على القانون، وهل يدركون أن القتل لا يمنع المستقبل من المجيء.

نريد أوطاناً كبيوت تأوينا، حد جميل القلم والروح ، جمال روح «الأيام»، العزيز محمد سعيد سالم ،لا قصوراً تحوي أسياداً وخدماً ، أو ضيعاً تحوي ملاكاً ورعايا.. ادركوا هذه الحقيقة وإلا فإن سمات العصر ستأخذ طريقها وتدوس من يعترضها.. وما ضحايا هذه المتغيرات إلا ضرائب تدفعها الشعوب أو هي الدماء التي تصنع المستقبل.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى