من يحمي القضاة الصالحين؟

> علي هيثم الغريب:

>
علي هيثم الغريب
علي هيثم الغريب
عندما نطق القاضي مذيب صالح منصور البابكري، القاضي الجزائي بمحكمة الحوطة محافظة لحج - أقدم مدينة في شبه الجزيرة العربية يصدر بها دستور عام 1956م- بالحكم الصادر في القضية رقم 217 بتاريخ 30/4/2006م ، الذي قضى بإعدام 11 متهماً من القوات المسلحة بتهمة الحرابة وتشكيل عصابة مسلحة.. قام أحد المظلومين وقال: سيدي القاضي سنتلاقى في الجنة بإذن الله. بعدها تم توقيف القاضي عن العمل اعتباراً من 10/7/2006م، واليوم يقف أمام مجلس المحاسبة بالمحكمة العليا لتأديبه.. ولا ضير من أن يقف رجل من القضاة (البابكري ) أصدر حكماً نموذجياً وعادلاً في أحلك ظروف الاستبداد: نهب الأراضي وقتل الناس بالباطل وترويع الملاك الأصليين من (العزيبة والعقارب)، أمام قضاة المحكمة العليا الذين يشهد لهم التاريخ بمواقفهم الناصعة بالطهارة والشامخة بالحيدة والتجرد. وجميعنا يتفق على أن أخطر أنواع الفساد التي يمكن أن تحيق بنا هي فساد القضاء.. وأن القلق كل القلق أن يجيء وقت - كما حدث في محاكم الحوطة قبل مجيء القاضي مذيب البابكري- نقف فيه عند حد الترحم على القضاة الأجلاء الذين يفنون أعمارهم مدافعين عن الضعفاء وعن القضاء كسلطة مستقلة طاهرة نقية. لقد كان القاضي البابكري يريد بحكمه ذاك أن يقول للمظلومين من أبناء لحج بأن عهد العصابات المسلحة والنهب لقد ولى أو أنه على الأقل يبدو لنا كذلك.. وكنا على يقين من أن البابكري سيستمر في أداء رسالة العدالة المقدسة والمساهمة في سرعة وجدية الفصل في الدعاوى والطعون التي يتزايد وقتها بحكم تدخل المتنفذين أو خوف بعض القضاة، والوصول إلى عدالة سريعة ناجزة لا يجد المواطن الذي لا حول له ولا قوة دونها أية عقبة. وإذا تحدثنا بصراحة فقد بدت لنا ساحات القضاء ،خاصة في محافظات الجنوب بعد الحرب، ساحات لا مبالية أبداً بالعدالة وغير منصفة، وفاترة تجاه مسائل حقوق الإنسان، وهنالك الكثير مما يقلق الناس. أما القضاة فقد كان عندهم حاجز ما ، وحد لم يتجاوزوه في أحكامهم ، فظُلِم الناس وسلموا أمرهم لله سبحانه وتعالى. والبابكري أعتقد أنه تجاوز حدود (الانتقاء) التي وضعها أولئك الذين يشرفون على مصائر القضاء اليمني.. خاصة وأن القاضي البابكري نقّب في حكمه عن الحقائق التي كشفت نشاط العصابات المسلحة التي تنهب الأرض والإنسان والدولة، وسياسة دوائر وأجهزة حكومية معينة.. وفي هذه الحالة يمكن أن يطرد القاضي من عمله دون أن يكون لديه أي أمل بالعثور على وظيفة أخرى، بل ويمكنهم محاسبته بسبب حكم من هذا القبيل الذي لم يعرف مثله في البلاد. ولكن علينا أن نشير إلى أن بلادنا بالنسبة لهذا الأمر أكثر هدوءاً من الصومال ورواندا والنيجر حيث دفع عشرات القضاة حياتهم ثمناً لشجاعتهم في قول الحقيقة. ومع ذلك نقول نريد من القضاء اليمني أن يتطور.. فالقضاء الحقيقي لا يستطيع ولا يجب أن يثأر لأحد، والعقوبة ليست هدفاً بحد ذاتها بل هي وسيلة لإعادة الحق إلى نصابه وفي الوقت نفسه هي وسيلة تربوية.. لا مجرد إعلانات في قاعات المحاكم. ثم كيف يمكن معاقبة شخص ما على عمل غير موجود أصلاً.. فبعد أن اهتز أصحاب المصالح من حكم مذيب ألغت محكمة الاستئناف كل فقرات الحكم ولم يعد هناك أي حرف منه. وأعتقد أن (محاكمة) قاضٍ بسبب حكم نطق به تسيء إلى سمعة المحكمة العليا، لأنه ماذا يعني إدخال المسئولية الجنائية مثلاً على أحكام القضاة؟ وفي هذه الحالة يعني أنه ستنزل عقوبات انتقائية تنال البعض ولا تنال البعض الآخر . ومما تجدر الإشارة إليه أن المسألة الرئيسية لا تنحصر في الحكم ولكن في: هل يستطيع مجلس المحاسبة في المحكمة العليا أن يثبت أن حيثيات الحكم كانت باطلة؟ وأن دعاوى المدعين كانت كاذبة؟ وأن شكاوى المواطنين كانت غير صادقة؟ وهل يستطيع المجلس النظر في كل الأحكام الأخرى وهي أحكام باطلة فعلاً وصلت أصوات المظلومين فيها إلى عنان السماء؟ إن معالجة الأوضاع في محافظات الجنوب وإعادة الحقوق إلى إصحابها ومحاسبة القتلة هي طريقة أجدى وأكثر فعالية من محاسبة القضاة الصالحين.. حتى لا تتحول الفوضى إلى أن كل الناس يجب أن يحموا أنفسهم بمن فيهم حتى القاضي.

لذا نحن على أمل أن يظل القضاة أمثال القاضي مذيب صالح منصور البابكري فوق منصة القضاء لنشر العدل وإحقاق الحق وأن مجلس المحاسبة سيؤدي الأمانة على أكمل ما يكون الأداء .

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى