غادة السّمان في عدن 2-2

> فضل النقيب:

>
فضل النقيب
فضل النقيب
كتبت الأسبوع الماضي تحت العنوان أعلاه، وأكمل «الحدوثة» اليوم، حيث لم تنعقد لغادة تلك الضجة التي نالها محمود درويش في الوسطين الثقافي والإعلامي وكذلك السياسي، وذلك يعود لأسباب منها أنها جاءت مستطلعة تريد أن ترى بعينيها لا بعيون غيرها، وكان يصعب تماماً في تلك الأيام تمييز الخيوط البيضاء من الخيوط السوداء ففي زمن العاصفة من هو المجنون الذي يقف لعدّ حبات الرمال التي تملأ الفضاء؟ ويكفي الغبار الذي تثيره أقدام المتدربين على الضبط والربط من الموظفين في ميدان التواهي لتحجب الرؤية، فكيف بـ «الغُوبة» العظمى المُدمدمة من غيضة المهرة حتى «تواهي» عدن، وأظن غادة رأت بعض بصيص من نور ولكن ما قرأته أشكل عليها، وقد انعكس ذلك في قصتها التي طبّل لها اليسار العربي وحمّلها ما حمّل، فجاءت كمن يمشي على الصراط لا إلى الجنة ولا إلى النار، وكانت قد التقت المناضل عبدالفتاح إسماعيل الأمين العام للتنظيم السياسي الموحد، الذي لم يتوحد إلا بعد أن كشّر سالم ربيع علي عن أنيابه القاطعة وقذف جملته المشهورة «أطول حوار في العالم في أصغر بلد» فَعَلمَ الطرفان المتحاوران على الضفة الأخرى أن وراء الأكمة ما وراءها، وأيقنا أن عصفوراً في اليد خير من عشرة على الشجرة فالتأم الشمل في عرس لم يكن بهيجاً ولكنه أفضل من العنوسة أو الطلاق البائن، وقد أعجبت غادة إيما إعجاب بتلك الشخصية «الكاريزمية» لعبدالفتاح، فقد بدا لها كراهب تحت مصابيحه في «ديره» الجبلي بمعاشق، ولا شك أنها استحضرت «الفنار» الذي صعدت درجاته الليلة السابقة لتكون في مهب الأنسام وأوركسترا أناشيد المحيط الهندي الزائرة لشواطئ عدن، وذلك الحوار الأزلي الدافئ بين أضواء الفنار والسفن التي تطلق أبواقها للريح، وقد لمحت غادة على مكتب عبدالفتاح رواية «المسيح يُصلب من جديد» للروائي اليوناني الشهير كازنتزاكيس صاحب «زوربا» وربما خطر بذهنها «تشي جيفارا» مسيح زمانه الذي ألهب خيال اليسار في أربعة أنحاء العالم مثقفاً ومقاتلاً جسوراً . المهم أن كل ذلك انعكس في تلك القصة المعنونة «النافذتان والغراب» حيث مزجت غادة تلك الشخصية الكاريزمية لفتاح بشخصية «فضل النديم»» التي بدت منفتحة وشعبية وعلى باب الله وأنا لم أحضر اللقاء مع عبدالفتاح بل إنني أساساً لم أسمع به ناهيك عن أن أدعى إليه، فذلك من أعمال وترتيبات «أهل الثقة» ولكن بالاستئناس بالنص وبالنظر إلى رؤية عبدالفتاح الشعرية للعالم يمكن القول بأن شرارة ما قد انقدحت في قلم الكاتبة التي تستقي موضوعاتها من الناس والحياة، ثم تلفها في ورق «السوليفان» اللامع المزين بالحواشي لتمنحها صفة الفن، وقد جاءني ذات يوم الأخ سعيد أحمد الجناحي قادماً من بيروت بمجموعة «رحيل المرافئ القديمة» وعليها إهداء رقيق من غادة جبرت خاطري فيه بالقول، إنني أسهمت - ربما دون أن أعلم - في هذه المجموعة القصصية. وقد لحظت فقط أن صورة وجهها الذي افترش الغلاف والشعر الحالك السواد المتطاير يغطيه، قد كانت بمثابة استعادة لما فاجأها به «فنار» معاشق حين أطلّت من أعلاه في مهب الأنسام، وكنت قد كتبت عن ذلك في «14 أكتوبر»، حيث وصفتها بأنها «نقش أندلسي» وأن اسمها ورسمها مليئان بموسيقى «زرياب» ودفء الحمراء، أو هكذا كتبت لأنني أسجل من الذاكرة، وقد ناخ عليها الزمن بكلكله.

أما عن «الأخت» ثريا بنت منقوش، دليلنا في الرحلة اللحجية - طبعاً دليل بالعافية، بلا إحم ولا دستور-؛ المهم سرنا تحت قيادتها وأمرنا لله على أساس أنها لحجية من «الوهط» وعدنية من كريتر، وقد أبلت البلاء الحسن فلم تترك أحداً يتكلم، علماً أن غادة من النوع الخجول جداً في الحياة، الفاتك في الكتابة، وقد انطوت على نفسها تسجل بعينيها و لا تسمع بأذنيها طبعاً لا تنسوا أن ثريا كاتبة ولها عدة مؤلفات وقد أخذت بالمثل اليمني: خبازة ما تحب خبّازة.. والمهم نوعية الخبز.

رعى الله غادة السمان التي تواصلت معها بعد ربع قرن وكتبت عنها عدة مرات وقد كتبت إليّ ذات يوم قائلة: ما هذه اللغة العابرة للقارات التي تكتب بها؟ شكراً: تلميذ في مدرستك.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى